صندوق النقد العربي: زيادة التنافسية المصرفية تدعم الشمول المالي

بنوك عربية

توصّلت دراسة حديثة أجراها صندوق النقد العربي عن علاقة “التنافسية المصرفية بالشمول المالي في الدول العربية” للدكتورة هبه عبد المنعم و الباحث كريم زايدي، إلى أن زيادة المنافسة المصرفية تساعد على دعم الشمول المالي، لكن في وجود مجموعة من المحددات بينها مستوى تطور القطاع المصرفي، ومدى تنوع الخدمات المصرفية التي يقدمها، ودرجة تقدم نظم المعلومات الائتمانية، ووجود الأطر الرقابية الكفيلة باحتواء المخاطر التي تنتج عن التوسع غير المدروس في تقديم الخدمات المصرفية للأفراد والمشروعات نتيجة ارتفاع مستويات المنافسة.

وحسب الدراسة بلغ إجمالي أصول القطاع المصرفي العربي الـ 2.263 تريليون دولار أمريكي، بما يمثل 80 في المائة من الناتج المحلى الإجمالي للدول العربية بنهاية العام المنقضي.

ووفقا للدراسة فإن إجمالي الودائع المصرفية قّدر بـ 2.128 تريليون دولار أمريكي ما يشكل 77.2 في المائة من الناتج المحلى الإجمالي، وتوجه 65 في المائة من التسهيلات المصرفية الممنوحة للقطاع الخاص، بما يمثل 69 في المائة من إجمالي الودائع المصرفية.

وأشارت الدراسة إلى أن تطوير القطاع المالي والمصرفي حظى باهتمام ملحوظ من السلطات في الدول العربية، على مدار العقود والأعوام الماضية، وعملت السلطات على تطوير القوانين والتشريعات المصرفية، وتوفير البيئة المواتية للعمل المصرفي وتطوير جوانب البنية التحتية للقطاع المالي.

وحسب دراسة صندوق النقد العربي تدفع الزيادة المنافسة المصرفية دعم الشمول المالي في الدول العربية.

المنافسة  المصرفية  

ذكرت الدراسة أن المنافسة المصرفية تلعب دورا مهما في زيادة نفاذ الأفراد والمشروعات إلى التمويل، كما ركزت الدراسة على تحليل العلاقة بين محددات المنافسة المصرفية والشمول المالي في بعض الدول العربية استنادا إلى نتائج استبيان، يوفر بيانات ذات صلة خلال الفترة (2010 إلى 2019 ) والاستعانة بالمؤشرات ذات العلاقة من قاعدتي بيانات التنمية المالية، والشمول المالي لمجموعة البنك الدولي.

واستندت الدراسة إلى قياس مجموعة من المؤشرات التي تبيّن محددات المنافسة المصرفية ومستويات الشمول المالي، وهى مؤشرات تنوع هيكل القطاع المصرفي، ومؤشرات التركز المصرفي، ومؤشرات سلوك السوق، ومؤشرات أخرى لمحددات العلاقة بين المنافسة المصرفية والشمول المالي.

وأكدت الدراسة أن الإصلاحات العديدة التي تم تبنيها في الدول العربية ساهمت في المزيد من انفتاح القطاع المصرفي وجذبه للعديد من المستثمرين المحليين والأجانب، ما ساعد على انخفاض مستويات التركز المصرفي خلال العقود الثلاثة الماضية، وتنويع هيكل القطاع المصرفي بدرجة تتفاوت من دولة إلى أخرى.

مؤشرات تنوع هيكل القطاع المصرفي

أشارت البيانات المتاحة من واقع قاعدة بيانات التنمية المالية لمجموعة لمجموعة البنك الدولي إلى انخفاض نصيب أكبر 5 بنوك من إجمالي الأصول المصرفية إلى ما دون مستوى الـ 70 في المائة في 09 دول عربية، بما يعنى مستويات أفضل من المنافسة المصرفية مقارنة بغيرها من الدول العربية.

وعلى مستوى الدول المتضمنة في الاستبيان، وهى “البحرين، والسودان، والسعودية، وفلسطين، والكويت، وليبيا، ولبنان، والمغرب” ظهر اهتمام السلطات الإشرافية بالمزيد من انفتاح القطاع المصرفي، ما ترجمته الزيادة في عدد البنوك المملوكة للمستثمرين من القطاع الخاص والأجانب، والزيادة في عدد المصارف المتوافقة مع الشريعة مع اهتمام شريحة كبيرة من الأفراد والشركات بهذا النوع من أنواع التمويل.

ملكية البنوك والشمول المالي

أوضحت الدراسة أن هذه الدول شهدت زيادة ملموسة وتواجدا ملحوظا للبنوك الأجنبية، حيث تمثل المصارف الأجنبية 39  في المائة من إجمالي البنوك العاملة .

وسجلت البنوك الأجنبية أعلى مستوى تمثيل لها، حيث مثلت ما لا يقل عن 50 في المائة من إجمالي القطاع المصرفي في البحرين، والسعودية، والكويت، وفلسطين.

وقالت الدراسة إن ذلك صاحبه ارتفاعا ملموسا لمستويات الشمول المالي للأفراد، مقاسة بنسبة الأفراد البالغين الذين لديهم حسابات في مؤسسات مالية من إجمالي السكان البالغين في 03 دول إلى ما يفوق المتوسط العربي البالغ 37  في المائة وبلغت 83 في المائة فى البحرين، و80 في المائة في الكويت، و72 في المائة في السعودية.

كما سجلت الدول التى تتسم بمستويات أعلى من تواجد البنوك الأجنبية مستويات أعلى من الشمول المالى للمشروعات فاقت المتوسط العربي البالغ 5.5 في المائة من إجمالي السكان البالغين في 04 دول بما يشمل البحرين بنسبة  25  في المائة والسعودية والكويت 15 في المائة ولبنان 13 في المائة .

ومن حيث ملكية البنوك سواء عامة أو خاصة، ترتفع الأهمية النسبية للبنوك الخاصة في 05 دول من الدول الثماني المشار إليها، ويشكل عددها ما يفوق نسبة 80 في المائة من إجمالي عدد البنوك العاملة في “البحرين، والسودان، والسعودية، والكويت، ولبنان”.

وذكرت الدراسة أن ارتفاع ملكية البنوك الخاصة رافقه زيادة فى مستويات الشمول المالى للأفراد وللشركات فى هذه الدول إلى ما يفوق المتوسط العربى المسجل.

طبيعة نشاط البنوك

بينت دراسة صندوق النقد العربي أن البنوك المتوافقة مع الشريعة تُعد ذات أهمية نظامية محلية في 07 دول عربية، وتُشكّل حصتها في هذه الدول ما لا يقل عن 15 في المائة من مجمل الأصول المصرفية، كما تعتبر مؤسسات الصيرفة المتوافقة مع الشريعة في كل من السعودية والإمارات ذات أهمية نظامية عالمية، وتستأثر بنحو 20.4 في المائة و9.3 في المائة على التوالي من أصول الصناعة على مستوى العالم.

وأرجعت ذلك إلى تزايد الطلب على أدوات التمويل المتوافقة مع الشريعة من الأفراد أو الشركات، وتشير التقديرات إلى أن 25 في المائة من الشركات الصغيرة والمتوسطة في الدول العربية لا يتوفر لديها الفرص للنفاذ إلى التمويل نتيجة محدودية أدوات التمويل المتوافق مع الشريعة.

وبالرجوع للدراسة تتفاوت هذه النسبة من دولة إلى أخرى، ففى السعودية تفضل 90 في المائة من الشركات الصغيرة والمتوسطة الخدمات المصرفية المتوافقة مع الشريعة على وجه التحديد، وفى المغرب والأردن، تفضل 54 في المائة و45  في المائة من الشركات الصغيرة والمتوسطة التعامل مع الخدمات المصرفية الإسلامية على التوالي، بينما فى الدول العربية الأخرى، تتراوح النسبة بين 20 في المائة و35 في المائة.

مؤشرات التركز المصرفي

كشفت دراسة صندوق النقد العربي عن هبوط مؤشر التركز ممثلا بحصة أكبر ثلاثة بنوك من إجمالي الودائع المصرفية في 04 دول وهى فلسطين، والكويت، ولبنان، والمغرب ما بين عامي (2010 و2019) بما يعنى تحرك هيكل السوق المصرفية تجاه مستويات أعلى من المنافسة المصرفية خلال تلك الفترة، ما يعكس في جانب كبير منه الإصلاحات التي تبنتها السلطات الإِشرافية لتقليل مستويات التركز المصرفي ودعم المنافسة.

وطبقا للدراسة تتراوح نسبة التركز المصرفي لأكبر ثلاثة بنوك للدول المستوفية للاستبيان في العام السابق بين 29 في المائة في البحرين بما يعنى أعلى مستوى للتنافسية فى السوق المصرفية، و64 في المائة في المغرب.

وبالنسبة إلى حصة أكبر خمسة بنوك من إجمالي الودائع المصرفية، فيلاحظ أن هذه النسبة قد شهدت في المقابل قفزة ما بين عامي (2010 و2019) في معظم الدول المشمولة في الاستبيان ما عدا فلسطين، وفقا للدراسة الحديثة.

كما تراوحت نسبة التركز المصرفي لأكبر خمسة بنوك من إجمالي الودائع ما بين 50 في المائة تقريبا في لبنان، و85 في المائة في الكويت، وارتفعت حصة أكبر 10 بنوك في الدول الثماني خلال نفس الفترة باستثناء المغرب وليبيا، وتراوحت النسبة بين 77 في المائة لأقل مستوى مسجل في لبنان و 100 في المائة فى الكويت.

تسعير الخدمات المصرفية

شددت دراسة صندوق النقد العربي على أن الأسواق التنافسية تتسم باتجاه البنوك إلى الصراع فيما بينها لتقديم الخدمات المصرفية لعملائها من البنوك والشركات، وتسعى في سبيل ذلك إلى خفض كلفة المعاملات المصرفية إلى المستوى الذى يقترب من مستويات التكلفة، ما يعمل في مجمله على جذب عدد أكبر من الحرفاء.

وينتج عن ذلك انخفاض صافي هامش الفائدة الذى يمثّل الفارق بين سعر الفائدة الدائنة الذي يحصل عليه البنك من الحرفاء المقترضين وسعر الفائدة المدينة الذى يدفعه البنك لعملائه المقرضين.

أما على مستوى الدول العربية التي شملها مسح صندوق النقد العربي، يتضح أن الدول التي سجلت أقل مستويات لصافي هامش أسعار الفائدة اتسمت بمستويات أعلى للشمول المالي على مستوى الأفراد والشركات.

وجاء على رأس هذه الدول السعودية بأقل هامش مسجل لصافي الفائدة 0.50 في المائة تلتها وبفارق كبير في هامش سعر الفائدة البحرين 2.25 في المائة وبمستوى عال كذلك من الشمول المالي للأفراد والشركات وهو ما يؤكد وجود مجموعة من المحددات المهمة التي تؤثر على الشمول المالي إضافة إلى سلوك التسعير.

وطبقا لدراسة صندوق النقد العربي فإن ارتفاع مستويات المنافسة المصرفية يرافقها زيادة في مستويات الشمول المالي للأفراد والشركات، رغم ذلك فإن العلاقة بين المتغيرين لا تكون مباشرة، إنما تمر عبر مجموعة أخرى من المحددات التي تلعب دورا في العلاقة الطردية ما بين الشمول المالي والمنافسة المصرفية ومن بينها البنية التحتية للقطاع المالي، ومستوى تطور القطاع المالي، ومدى توفر المعلومات الائتمانية، ومستوى التثقيف المالي، وبيئة الأعمال.

نتائج الدراسة

تعتبر الأسواق المصرفية في الدول الثمان المستوفية للاستبيان أسواقا منافسة احتكارية، سواء بالاستناد إلى مؤشرات هيكل أو سلوك السوق بما يعنى وجود عدد قليل من البنوك تتنافس فيما بينها للفوز بحصة سوقية أكبر، بحيث تستأثر هذه البنوك بالحصة الأكبر من إجمالي الودائع المصرفية والتسهيلات الائتمانية على مستوى القطاع المصرفي.

كما ساهمت الإصلاحات التي تم تبنيها في الدول الثمان في المزيد من انفتاح القطاع المصرفي وجذبه للعديد من المستثمرين المحليين والأجانب، وتواجد البنوك المتوافقة مع الشريعة جنبا إلى جنب مع البنوك التقليدية، ما ساعد على زيادة مستويات تنويع هيكل القطاع المصرفي في الدول المشار إليها.

وسجلت الدول العربية ذات مستويات التنوع الأكبر في هيكل القطاع المصرفي مقاسة بنسبة تمثيل أكبر للبنوك الأجنبية والخاصة والبنوك المتوافقة مع الشريعة مستويات أكبر من نفاذ الأفراد والمشروعات إلى التمويل وجاء على رأسها البحرين والسعودية والكويت.

وتتسم النظم المصرفية في عدد من الدول المستوفية للاستبيان بزيادة مستويات التركز المصرفي، حيث يستحوذ عدد قليل من المؤسسات المصرفية على حجم السوق المصرفية سواء من حيث الودائع أو النشاط الإقراضي، وهو ما يؤدي إلى تراجع مستويات المنافسة ويفرض تحديات تواجه تطور الخدمات المصرفية كمّا ونوعا وارتفاع كلفة تقديم الخدمات المالية، وبالتالي استبعاد جانب من الأفراد والشركات من النفاذ المالي.

وبالرجوع إلى الدراسة، سجلت الدول العربية ذات مستويات التركز المصرفي الأقل (درجات المنافسة المصرفية الأعلى) مستويات أكبر للشمول المالي، وجاءت على رأسها البحرين التي سجلت أعلى مستوى للمنافسة المصرفية وأعلى مستوى شمول مالي للأفراد والمشروعات، بلغت 82.6 في المائة و25.2 في المائة على التوالي.

وتعتمد العلاقة ما بين المنافسة المصرفية والشمول المالي على عدد من المحددات، وحسب الدراسة، سجلت الدول التي تتسم ببنية تحتية مصرفية قوية، ومستويات أكبر لتوفر وعمق المعلومات الائتمانية ودرجات أعلى من التثقيف المالي، والمراتب المتقدمة في مؤشر بيئات الأعمال والتواجد الأكبر لشركات التقنيات المالية الحديثة مستويات أعلى من الشمول المالي، بما يشمل “البحرين، والسعودية، والكويت، ولبنان”.

6 توصيات لتعزيز المنافسة المصرفية ورفع نسب الشمول المالى 

جاء في توصيات صندوق النقد العربي ضرورة تركيز السلطات الإشرافية في الدول العربية على تبّني سياسات لزيادة مستويات المنافسة المصرفية، لتكون هذه السياسات إحدى الدعائم الأساسية المتضمنة في استراتيجيات الشمول المالي بهدف تحفيز مزودي الخدمات المالية على التوجه صوب مستويات أكبر لتنويع المنتجات المصرفية بكلفة مقبولة، بما يساعد على زيادة مستويات الشمول المالي للأفراد والمشروعات.

وأوضحت الدراسة في التوصيات ضرورة تعزيز الجهود المبذولة في الدول العربية الهادفة إلى زيادة مستويات كفاءة القطاعات المصرفية والداعمة للشمول المالي والمنافسة المصرفية، بما يشمل تطوير أنظمة الدفع، والاستعلام الائتماني، والإقراض المضمون، وسجلات الأصول المنقولة، وتطوير نظم الإفلاس.

وحسب الصندوق تساعد هذه التدابير المؤسسات المالية على التغلب على مشكلة عدم تماثل المعلومات التي تؤدي إلى إحجام البنوك عن توفير التمويل للقطاعات وبالتالي حدوث الإقصاء المالي.

ومن التوصيات أيضا، إلزام مزودي الخدمات المالية بتبني تدابير لضمان قابلية التشغيل البيني للأنظمة سواء على مستوى القطاع المصرفي أو على مستوى مزودي الخدمات المالية من خارج القطاع، التي تمثل واحدة من أهم العوامل الداعمة للبنية التحتية المالية، بما يساهم في تعميق المساهمة المصرفية وزيادة مستويات الشمول المالي، لا سيّما الشمول المالي الرقمي.

إلى جانب مواصلة تبني الإصلاحات الهادفة إلى تعزيز المنافسة المصرفية بحسب خصوصية الوضع الاقتصادي والمصرفي لكل دولة عربية، من خلال تبني إصلاحات على صعيد الإطار القانوني والتنظيمي، بما يشمل إزالة القيود المفروضة على ممارسة العمل المصرفي من المستثمرين الأجانب والمحليين، وخصخصة البنوك العامة الخاسرة لتقليل مستويات الهيمنة المصرفية والتوسع في تقديم المزيد من الخدمات المالية بكفاءة أكبر.

وأيضا تبني السلطات الإشرافية التي تتسم قطاعاتها المصرفية بالتركز المصرفي متطلبات تنظيمية ورقابية تستهدف حث المصارف العاملة على زيادة مستويات تنويع الخدمات المصرفية، وضمان التسعير العادل للخدمات المصرفية .

بالإضافة إلى توفير البيئة الحاضنة لتشجيع شركات التقنيات المالية الحديثة التي تُعد أحد أهم التوجهات الحديثة لزيادة مستويات المنافسة المصرفية، والشمول المالي، بما يساعد على التوسع في تقديم الخدمات المالية وخفض كلفتها وضمان تنوعها بما يلائم احتياجات المتعاملين المختلفين.

صندوق النقد العربي: دراسة”المنافسة المصرفية والشمول المالي في الدول العربية “للدكتورة هبة عبد المنعم والباحث كريم زايدي-صادرة بتاريخ 08 يونيو 2020

 

منشورات ذات علاقة

النقد العربي يبحث التركيب والتفكيك في صناعة المالية الإسلامية

02.8 % نمو الإقتصاديات العربية في 2024

84.16 مليار دولار أصول قطر المركزي نهاية يوليو