بنوك عربية
أصدر بنك عودة اللبناني التقرير الاقتصادي عن الفصل الثاني من العام 2022 بعنوان “من أجل الانتقال من اتفاق على مستوى الخبراء إلى اتفاق شامل مع صندوق النقد الدولي”، والذي اشار إلى أنه تخلل النصف الأول من العام 2022 عدد من الأحداث الهامة في البلاد، وعلى الأخص إنجاز اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي، بالإضافة لتحسن في العلاقات السياسية، وقد كانت لهذه التطورات آثار كبيرة على النشاط الاقتصادي مع أن تحديات ماكرو-نقدية جمة تضغط على آفاق الاقتصاد اللبناني في ظل غموض سياسي- اقتصادي بارز بشأن الآفاق المستقبلية.
تبين أرقام الدين العام التي نشرتها وزارة المالية أن الدين الإجمالي للبلاد بلغ 100.6 مليار دولار أميركي في نهاية شهر آذار 2022، أي بزيادة نسبتها 3.5% مقارنة مع مستواه المسجَل في نهاية آذار 2021. ولكن، إذا اعتبرنا أن سندات اليوروبوند قد تسدد بنسبة 15% وإذا قدرنا الدين بالليرة اللبنانية وفق سعر “صيرفة” بدلا من السعر الرسمي، تصبح القيمة السوقية للدين أقل من 10 مليارات دولار أميركي، أي أدنى من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد.
سعر الصرف
شهدت الأوضاع النقدية في لبنان في النصف الأول من العام 2022، تقلبات هامشية في سعر صرف الليرة اللبنانية إزاء الدولار الأميركي، ونقصا حادا في السيولة بالعملة الوطنية أدى الى ارتفاع كلفة السيولة بالليرة بمقدار أربعة أضعاف، واستنفادا متواصلا لإحتياطيات القطع. لقد حصل ذلك في ظل مفاعيل التعميم رقم 161 الصادر عن مصرف لبنان والتدابير الإستثنائية المتخذة من قبل هذا الأخير، والتي أجازت للمصارف أن تشتري من المصرف المركزي الدولار الأميركي نقدا بسعر منصة “صيرفة” مقابل ليرات لبنانية تحوزها في حساباتها.
ومن جراء ذلك، تراجعت الموجودات الخارجية لمصرف لبنان بقيمة 2.5 مليار دولار أميركي في النصف الأول من السنة لتبلغ قيمتها 15.3 مليار دولار في نهاية حزيران 2022، ما يرفع تراجعها الإجمالي منذ تشرين الأول 2019 الى 22.6 مليار دولار. وإذا حسمنا موجودات مصرف لبنان من اليوروبوند، والمقدرة بــــ 5.0 مليارات دولار أميركي، والتسهيلات بالعملات الأجنبية الممنوحة من المصرف المركزي للمصارف اللبنانية، تنخفض احتياطيات القطع السائلة لدى مصرف لبنان الى ما دون 10 مليارات دولار في نهاية حزيران 2022.
الأسهم
سجلت سوق الأسهم اللبنانية ارتفاعا ملحوظا في الأسعار خلال النصف الأول من العام 2022، وذلك بخاصة نتيجة الارتفاع الكبير لأسعار أسهم سوليدير، فيما واصل المتعاملون في السوق إضافة أسهم عقارية الى محافظ موجوداتهم للتحوط ضد الأزمات المالية.
من جهة أخرى، سجلت أسعار سندات اليوروبوندز اللبنانية أرقاما قياسية دنيا جديدة في نهاية حزيران 2022، وذلك بخاصة نتيجة القلق العائد الى فراغ سياسي قد يمتد حتى الانتخابات الرئاسية، والخشية المتزايدة من عدم قدرة البرلمان الجديد المشرذم على إقرار قوانين إصلاحية رئيسية تعد شروطا لا بد منها لتحرير المساعدات المالية الدولية التي يحتاج اليها للبنان.
صندوق النقد الدولي
إن إقرار برنامج شامل مع صندوق النقد الدولي يعتبر أمرا ملحا ومحوريا كونه السبيل الوحيد لإخراج لبنان من خضم أزمته الاقتصادية والمالية المستفحلة.
فبعد توصل الحكومة إلى “اتفاق على مستوى الخبراء” مع صندوق النقد الدولي، يبرز التحدي الأكبر في تلبية السلطات اللبنانية لمتطلبات صندوق النقد من أجل ابرام اتفاق نهائي مع مجلس إدارة الصندوق يفتح الباب نحو الحصول على التسهيلات المباشرة ويحفز كذلك الدول والجهات المانحة بشكل عام.
نحن إذ نتمنى إقرار جميع هذه المتطلبات في المستقبل القريب، لكننا نعلم أن ذلك ليس بالأمر السهل، وشهد لبنان خلال النصف الأول من العام 2022 عددا من التطورات الهامة، ولا سيما على صعيد إبرام “اتفاق على مستوى الخبراء” مع صندوق النقد الدولي، وانتهاء الأزمة الدبلوماسية مع بلدان مجلس التعاون الخليجي، وإتمام الانتخابات النيابية، وبدء العد العكسي للانتخابات الرئاسية. وقد تركت هذه التطورات بصماتها على النشاط الاقتصادي على الرغم من التحديات الماكرو-اقتصادية والنقدية الكبيرة والتي لا تزال تضغط بشكل لافت على آفاق البلاد وسط مخاوف سياسية واقتصادية جمّة بشأن الآفاق المستقبلية.
كما عكس أداء مؤشرات القطاع الحقيقي خلال النصف الأول من العام التفاوت في النشاط الاقتصادي عموما. من ضمن المؤشرات التي سجلت نموا سلبيا، نذكر قيمة الشيكات المتقاصة والتي سجلت تقلصا نسبته 18.0%، والمشتقات النفطية المستوردة (-20.7%) وإنتاج الكهرباء (-66.0%). أما من ضمن المؤشرات التي سجلت نموا إيجابيا فنذكر مساحة رخص البناء الممنوحة (+440.0%)، وعدد السياح (+155.8%)، وعدد المسافرين عبر مطار بيروت (+81.4%) وعدد مبيعات السيارات الجديدة (+37.5%) وقيمة المبيعات العقارية (+26.2%)، وحجم البضائع في المرفأ (+0.2%).
وعلى صعيد القطاع الخارجي، سجل النصف الأول من العام 2022 عجزا متزايدا في ميزان المدفوعات بقيمة 2.6 مليار دولار بالمقارنة مع عجز قيمته 1.8 مليار دولار خلال النصف الأول من العام 2021. وقد نتج عجز ميزان المدفوعات خلال النصف الأول من العام 2022 عن انخفاض الموجودات الخارجية الصافية لدى مصرف لبنان، بينما حافظت الموجودات الخارجية الصافية لدى المصارف والمؤسسات المالية على استقرارها.
ويعزى التقلص في الموجودات الخارجية الصافية لدى مصرف لبنان إلى تدخل المركزي في سوق القطع عبر منصة “صيرفة” في حين تراجع تدخله لدعم السلع الأساسية إلى حدّه الأدنى.
على صعيد الوضع النقدي، واصل التضخم مسلكه التصاعدي خلال الأشهر الأولى من العام 2022. إن نسبة التضخم في لبنان، والمقاسة على أساس مؤشر أسعار الاستهلاك الصادر عن مؤسسة البحوث والاستشارات، سجلت 193.7% في شهر حزيران 2022 بالمقارنة مع شهر حزيران من العام 2021.
يجدر الذكر أن المكونات التسعة لمؤشر أسعار الاستهلاك سجلت زيادات سنوية في حزيران. وكان الارتفاع الأبرز في أسعار النقل والاتصالات بنسبة 301.0%، تلتها السكن بنسبة 226.5%، والمأكولات والمشروبات بنسبة 200.1%، والترفيه 195.1%، والسلع المعمرة بنسبة 164.7%.
القطاع المصرفي
على صعيد القطاع المصرفي، اتسم النصف الأول من العام 2022 بتراجع معتدل بالودائع بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام السابق.
في الواقع، تقلصت الودائع المصرفية بنحو 2.3 مليار دولار خلال النصف الأول من العام 2022 مقابل تقلص قيمته 4.9 مليار دولار في الفترة نفسها من العام 2021. توازيا، ظلت المصارف تشهد خفضا للرافعة الاقتراضية. إذ انخفضت التسليفات المصرفية بقيمة 3.7 مليار دولار خلال النصف الأول من العام 2022 مقابل انخفاض أكبر قيمته 4.3 مليار دولار في الفترة عينها من العام السابق. وعلى صعيد الرسملة، تقلصت الأموال الخاصة من 17.8 مليار دولار في نهاية كانون الأول 2021 إلى 17.0 مليار دولار في نهاية حزيران 2022 نتيجة الخسائر المصرفية الصافية خلال الفترة المغطاة.
أما في يتعلق بأداء أسواق الرساميل اللبنانية، فقد زاد مؤشر أسعار الأسهم في بورصة بيروت بنسبة 37.6% خلال النصف الأول من العام 2022، بعد قفزة نسبتها 48.1% في العام 2021، بشكل أساسي نتيجة ارتفاع أسعار أسهم “سوليدير”. ويترافق ذلك مع نمو سنوي في قيمة التداول الاسمية بنسبة 3.2%، من 188 مليون دولار في النصف الأول من العام 2021 إلى 194 مليون دولار في النصف الأول من العام 2022.
عليه، بلغ معدل دوران الأسهم، المحتسب على أساس قيمة التداول السنوي إلى الرسملة السوقية، نسبة قدرها 2.7% في النصف الأول من العام 2022، مقابل معدل دوران نسبته 4.0% في النصف الأول من العام 2021.