التمويل الاستهلاكي بمصر بين فرص النمو الواعدة ومخاطر تعثر السداد

بنوك عربية

برز التمويل الاستهلاكي بمصر كأحد الخدمات المالية الغير مصرفية خلال الأربعة أعوام الأخيرة مدعوما بضوابط القانون الجديد الذي وضع  الأسس الحاكمة للشركات العاملة بالقطاع تحت مظلة الهيئة العامة للرقابة المالية، وبالتالي تم تحديد الالتزامات على كل من الشركة والعميل.

حالة الزخم التي صاحبت انتشار التمويل الاستهلاكي وإبتكار منتجات تقدم التمويل بآليات متنوعة واحتدام المنافسة بين البنوك والشركات خلقت جدلا حول توسيع تلك الدائرة، وهل هي في صالح الاقتصاد المحلي أم ضده؟! ..وهل يكون المواطن أمام ذلك الزخم مستفيدا أم متضررا في ظل سيادة النزعة الاستهلاكية لكثير من الأفراد وسعيهم الدائم لاقتناء الكماليات المرتفعة التكلفة والتي لاتتلاءم مع دخول الكثير من الأفراد ؟.

وفي المقابل اعتبر خبراء أن تطبيق القانون الجديد سيحقق نقلة تشريعية مميزة في سوق التمويل ويرفع كفاءة استخدام الأموال كما يضفي معايير الانضباط بين أطراف العملية الائتمانية بما يخفض عنصر المخاطرة ويخلق توازن يتناسب مع الملاءة المالية للمقترض وهو مالم يكن موجودا من قبل .

واتجهت البنوك والشركات مؤخرا إلى تنويع محفظة التمويل الاستهلاكي الممنوح للأفراد، ليشمل أكثر من نوع واحد من التمويل، ( سلع معمرة، قروض تعليمية، وتأثيث المنازل وتمويل عضوية النوادي)، الأمر الذي قلل من مخاطر التركيز على منح القروض الاستهلاكية .

وبلغت قروض التمويل الاستهلاكي نحو 16.4 مليار جنيه مصري خلال الـ 7 أشهر الأولى من العام الجاري 2022 في السوق المصرية وفقاً لأحدث التقارير الصادرة عن الهيئة العامة للرقابة المالية.

وفي تصريحات خاصة لـ”بنوك عربية” قال جودة عبد الخالق الخبير الاقتصادي ووزير التموين والتجارة الداخلية الأسبق بمصر، إنه يجب خلق حوافز لتشجيع الطلب على السلع المحلية بمصر وإغلاق الأبواب أمام السلع المستوردة لتشجيع الصناعة المحلية والحفاظ على النقد الأجنبي لاسيما وأنه يشهد تراجعا خلال الوقت الراهن .

واعتبر أن التمادي والافراط في الاقراض الاستهلاكي أمر غير محمود لأن الأولى أن يكون الإقراض لأغراض انتاجية وليست استهلاكية، موضحا أن التمويل الاستهلاكي هو ائتمان تقدمه جهات معينة من بنوك وشركات ويكون الاقراض عادة بالعملة المحلية لتمويل الأسر والأشخاص .

وأضاف أن هناك عدة أمور لابد من التوقف عندها أهمها أننا مجتمع  معدل الادخار فيه منخفض حيث تشير التقديرات إلى أن تلك المعدلات في حدود 10 في المائة فقط من الناتج المحلي الإجمالي وهو معدل متواضع للغاية مقارنة بالدول المناظرة، مدللا على أن مصر أغنى من الهند في معيار متوسط الدخل لكن معدلات الادخار هناك تمثل 28 في المائة من الناتج  القومي بالهند .

وشدد على أن الإفراط في التمويل الاستهلاكي وإغراء المواطنين بالحصول على قروض سيكون له نتيجة محسومة تنطوي على تراجع معدلات الادخار لأن الاستهلاك يتم خارج الحدود المالية المباشرة للمواطن، لافتا إلى أن القرض الاستهلاكي عادة مايكون قصير أو متوسط الأجل بمدة أقصاها 3 أعوام ممايعني خلق ضغوط على المقترض لاستيفاء سداد القرض وتجنب أي عوائق تحول دون السداد.

وبحسب وزير التموين والتجارة الداخلية الأسبق فإن البنوك تتحوط ضد الفشل في سداد المديونية عبر تحميل العميل الجزء الأكبر من الفائدة خلال أول عام وهذا معناه وضع أعباء على العميل ينتج عنها الفشل في السداد نتيجة لسوء التقدير أو التضحية بأنواع الاستهلاك الأكثر ضروروة لتلبية الاحتياجات المهمة، وبالتالي فهي كلها أمور تعمل على تآكل معدلات الادخار وكبح نموها .

وتابع : ” التحفيز الاقتصادي مطلوب ولكن بمعايير محددة ، حيث أن خلق سيولة على خلفية فقر القطاعات الانتاجية كالزراعة والصناعة تخلق هشاشة للاقتصاد في مواجهة الصدمات الخارجية ” .

ودلل عبد الخالق على مواجهة صدمة ارتفاع أسعار الغذاء والنفط عالميا ، وماترتب عليها من آثار غير إيجابية تكمن في عجز الميزان التجاري وعجز الموازنة العامة للدولة ثم في النهاية ارباك في الاقتصاد القومي .

ودعا عبد الخالق إلى ضرورة الاعتدال في تقديم تلك الخدمات وعدم الإفراط فيها وتقديم كافة آليات الوعي المالي والاستثماري للأفراد ليتمكنوا من تحديد توجهاتهم في الحصول على ائتمان وتقويم النزعة الاستهلاكية لديهم .

وفي السياق ذاته قال أسامة فريد العضو المنتدب لشركة بريميوم كارد أحد شركات التمويل الاستهلاكي العاملة بمصر وعضو الاتحاد المصري للتمويل الاستهلاكي في تصريحات لموقع “بنوك عربية” أن صدور قانون التمويل الاستهلاكي يمثل نقلة نوعية في سوق التمويل ويواكب التغيرات المحلية والعالمية ويحمل مزيدا من الوضوح والشفافية بين الجهة المقرضة والشخص المقترض عبر تنظيم ضوابط السداد المبكر مما يخفف نسب المخاطرة ويمنع استغلال العميل.

وأوضح أن التنافس بين الشركات والبنوك سيكون لصالح العميل في المقام الأول والأخير ، لافتا إلى أن هذه التنافسية ستدعم تخفيض أسعار الفائدة على السلع والمنتجات سعيا من قنوات التمويل لتوسيع قاعدة العملاء والانتشار بقوة في السوق المحلي وتحقيق أعلى حصة سوقية .

وذكر رمزي الجرم نائب رئيس قطاع الرقابة الداخلية بأحد البنوك العامة في تصريحات لموقع “بنوك عربية” أن منح أي تمويل يتم على أساس مقدرة المقترض على سداد الالتزامات سواء أفراد أو شركات وبالتالي يكون التأكد من الملاءة المالية للمقترضين ضرورة يتم من خلالها منح التمويل من عدمه لتعزيز الربحية مع الحفاظ على أموال المودعين بالنسبة للبنوك .

وأوضح أن مخاطر التمويل الاستهلاكي للأفراد أكبر من الشركات حيث أن الأخيرة لها هيكل إداري قائم بذاته بخلاف الأفراد الذين يكونوا مطالبين بتقديم ضمانات متنوعة بغرض تحجيم المخاطر وهو السبب الذي يؤدي دائما لارتفاع أسعار فائدة الإقتراض .

وعدد الجرم مخاطر التمويل الاستهلاكي بإنها تكمن في عدم القدرة على السداد وبالتالي ترتفع معدلات التعثر في القطاع، لافتا إلى أن معظم البنوك والشركات تغلبت على مشكلة تدني الأجور لدى الأفراد بمد آجال السداد على فترات زمنية طويلة بغرض إحداث رواج في عملية التمويل وتوسيع قاعدة العملاء عبر تلبية احتياجاتهم المعيشية .

وبحسب الجرم فإن قانون التمويل الاستهلاكي سيحجم نسب المخاطرة بخلق توازن يتناسب مع الملاءة المالية للمقترض، وتحقيق الحماية للأطراف ذات الصلة وهي العملية التي أصبحت تتم بوضوح وشفافية عبر بنود التعاقد بين الطرفين .

وأكد أن التوسع الكبير في قطاع التمويل الاستهلاكي، قد يفتح الشهية الائتمانية  للمستهلكين بما يتجاوز قدرتهم المالية خصوصا السلع الكمالية، لذا فإن زيادة الوعي المالي وترشيد الاقتراض عنصران مهمان للأفراد والشركات.

واعتبر أن القانون الجديد سيكون من شأنه تحفيز الاستهلاك خصوصا وأن كافة الاقتصادات العالمية أصبحت على أعتاب مايطلق عليه بظاهرة الركود التضخمي .

وارتفع معدل التضـخم السنوي بمصر إلى 15.3 في المائة في شهر أغسطس 2022 من 06.4 في المائة لنفس الشهـر من العام المنقضي 2021 في حين ارتفع معدل التضخم إلى 131.7 نقطة في شهر أغسطس، على أساس شهري، مرتفعا بنسبة 0.5 في المائة مقارنة بشهر يوليو السابق.

ومن جانبه قال أحد المحللين الماليين بقطاع الخدمات المالية الغير مصرفية والسلع الاستهلاكية الأساسية رفض ذكر اسمه في تصريحات لموقع “بنوك عربية” أن المنتجات التي تقدمها الشركات في ثوبها الجديد عززت نشاط التمويل الاستهلاكي بالنظر إلى العوائد الائتمانية والعدد الكبير للشركات الممارسة للنشاط، معتبرا أن نشاط التمويل الاستهلاكي مفيد للاقتصاد ويسهل حركتي البيع والشراء بالإضافة لتنشيط الاستهلاك .

وأوضح أن نشاط التمويل الاستهلاكي لم يكن حديث عهد بالسوق المصري حيث كان نشاطا مدرجا ضمن الأنشطة التمويلية للقطاع المصرفي ولكن في قالب  تقليدي، ولم يكن في الاطار الجديد المتعارف عليه الذي تقدمه الشركات في الوقت الراهن .

وتوقع رواج التمويل الاستهلاكي خلال الفترة القادمة مدعوما  بارتفاع معدلات التضخم عالميا ومحليا وارتفاع الأسعار ممايدفع بالمواطنين للاتجاه إلى شركات الاقراض الاستهلاكي لتلبية احتياجاتهم المعيشية .

وبسؤاله عن مخاطر التمويل الاستهلاكي وتداعياته على الاقتصاد بشكل عام أفاد بأن منح التمويل بدون أي ضمانات سيكون له أثارا سلبية تكمن في ارتفاع المخاطر وزيادة المخصصات خاصة للشركات التي تدفع على المدى القصير لمدة 3 إلى 6 شهور وحتى عام مما يرفع معدلات التعثر وبالتالي تتأثر الملاءة المالية ، مؤكدا أن المخاطر دائما موجودة لو كان التمويل أكبر من الملاءة المالية.

وأفاد  أن تطبيق ضوابط التمويل الاستهلاكي، يعالج الكثير من المشكلات التي تواجه المقترضين، خصوصاً فيما يتعلق بآلية احتساب الفائدة على القروض.

وتتضمن القانون الجديد إضافة 3 مواد جديدة تقضي بعدم جواز ممارسة نشاط الكفالة بأجر في نشاط التمويل الاستهلاكي إلا بعد القيد بالسجل الذي تعده الهيئة لهذا الغرض، وأناط بمجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية وضع قواعد وشروط وإجراءات القيد والشطب في هذا السجل، واستثنى من القيد في هذا السجل البنوك وشركات ضمان الائتمان المرخص لها وفقًا لقانون البنك المركزي المصري.

– جودة عبد الخالق: الخبير الاقتصادي ووزير التموين والتجارة الداخلية الأسبق بمصر –
– أسامة فريد: العضو المنتدب لشركة بريميوم –
– رمزي الجرم: نائب رئيس قطاع الرقابة الداخلية بأحد البنوك العامة –

 

منشورات ذات علاقة

بيتك الكويتي ينضم إلى مؤشر FTSE 4 Good للاستدامة

“وياي” يطلق خدمة “ومض” للتحويلات الفورية

مزن للصيرفة الإسلامية تُطلق بوابة التجارة الإلكترونية