بنوك عربية
بدأت، صباح اليوم الأحد بالعاصمة الإدارية الجديدة، فعاليات “المؤتمر الاقتصادي – مصر 2022 .. خارطة طريق لاقتصاد أكثر تنافسية”، والذي تنظمه مصر على مدار ثلاثة أيام؛ لمناقشة العديد من القضايا والملفات الاقتصادية تتعلق بأوضاع الاقتصاد المصري ومستقبله.
وذلك بحضور عدد من الوزراء، ومسؤولي وممثلي الجهات الحكومية، ومشاركة واسعة من كبار الاقتصاديين، والمفكرين، والخبراء.
وفي بداية فعاليات اليوم الأول للمؤتمر، وخلال الجلسة الافتتاحية، قدم مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، عرضا تحت عنوان ( الاقتصاد المصري في أربعين عاما.. وماذا بعد؟) استهله بكلمة أوضح فيها أن هذا المؤتمر يأتي في خضم أزمة عالمية، لم تشهدها دول العالم منذ الحرب العالمية الثانية قبل 80 عاماً.
وأشار إلى أن المتابع للتطورات العالمية الراهنة، يرى أن كل حكومات الدول المتقدمة، والقوية اقتصادياً، وكذلك البلدان الناشئة، تصارع من أجل النجاة وضمان استقرار بلادها، ومصر ليست بمنأى عن هذه الظروف، حيث صُنفت من جانب كافة المؤسسات الدولية كواحدة من الدول التي كانت أكثر تأثراً بهذه الأزمة العالمية الكبرى.
ولفت رئيس الوزراء أنه برصد الـ 40 عاماً الماضية، وجدنا أن هذا المؤتمر الاقتصادي الذي دعا له فخامة الرئيس السيسي، هو المؤتمر الاقتصادي الرابع على مدار تلك الأعوام، لافتاً إلى وجوب تحليل مخرجات هذه المؤتمرات الاقتصادية، لتشريح وضع الاقتصاد المصري، ومعرفة أين وصلنا بعد كل مؤتمر، لكي نضمن الخروج من المؤتمر الحالي بتوصيات واقعية، نثق جميعاً أنها قابلة للتنفيذ.
وكشف أنه فيما يخص مؤتمر عام 2015، فقد كانت الدولة كذلك قد انتهت للتو من أزمات سياسية شديدة العنف على مدار الأعوام من عام 2011 إلى 2013، مع موجة ارهاب لم تشهدها مصر من قبل، وكانت الدولة في هذا التوقيت قد بدأت أولى خطوات الاستقرار السياسي، ولذا كانت دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي لهذا المؤتمر، لكي يناقش أوضاع الاقتصاد المصري وكيف ننمو به.
وإستعرض مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، باستعراض وتحليل كيف كانت مصر في توقيت عقد هذين المؤتمرين، وماهي المخرجات التي تم التوصل اليها من خلالهما، حيث عرض جانباً من الصور التي تم الحصول عليها من أرشيف جريدة الأهرام، والتي تعكس أزمات كانت تواجه عدة قطاعات في الدولة خاصة الخدمية خلال الفترة من عام 1978 إلى عام 1981، منها صور لوضع منظومة النقل الجماعي، والسكة الحديد، والمستشفيات، والمدارس، والمرافق، وطوابير الجمعيات الاستهلاكية، ووضع الصرف الصحي في الشوارع الراقية والبسيطة والذي كان يواجه مشكلات في كليهما.
لافتاً إلى أن مصر دولة شابة، أكثر من 60 في المائة من شبابها أعمارهم 40 عاما أو أقل، ولذا فالعديد من الأزمات التي عاشتها مصر في خضم سنوات المؤتمر الاقتصادي عام 1982 لم يعاصرها الكثير من الشباب.
وبين مدبولي أن كل هذه الأوضاع دعت الرئيس الراحل مبارك إلى طلب عقد مؤتمر اقتصادي كبير، ودعوة للحوار وإبداء الرأي، وشهد المؤتمر مشاركة 40 خبيراً اقتصادياً، بينهم شخصيات عظيمة أثرت في تاريخ مصر وتولت مناصب قيادية، والذين تواجدوا في هذا التوقيت وشاركوا في المؤتمر، كخبراء اقتصاديين، حيث عقد المؤتمر على مدار 3 أيام من 12 الى 14 فبراير 1982، وكان العنوان الرئيسي: “الخبراء يضعون روشتة لمشاكل مصر الاقتصادية”، وهدفه كان مناقشة الوضع الراهن للمشكلة، ووسائل تصحيح المسار الاقتصادي، ووضع استراتيجية للتنمية للمرحلة القادمة، منوهاً إلى أن هذا المؤتمر له وثائق شديدة الأهمية تحلل الاقتصاد المصري بالتفصيل، وحددت 10 تحديات رئيسية تواجهها مصر والاقتصاد المصري، ويجب استعراضها لمعرفة التحديات المستمرة معنا حتى الان.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن المشكلة الأولى التي تناولها مؤتمر عام 1982، كانت قضية “الانفجار السكاني”، وكان العنوان حينها أن زيادة السكان بالمعدل الحالي وقتها، ستبتلع كافة الموارد وخطط التنمية، وأنه لا يمكن رفع مستوى معيشة الأسرة إلا بالتنظيم، لافتاً إلى أن عدد سكانها وقتها كان 44 مليون نسمة، بينما بلغ اليوم بعد مرور 40 سنة كاملة، إلى 104 ملايين نسمة، بزيادة 60 مليوناً.
وفي هذا الصدد، تطرق رئيس الوزراء لمشكلة الإسكان الهائلة في ذلك الوقت، والتي تناولتها الصحف آنذاك، مشيرا إلى أحد العناوين التي نشرتها إحدى الصحف المصرية في ذلك الوقت تحت عنوان (الحاجة لبناء 8.5 مليون وحدة سكنية على مدار 20عاما)، وأنه وفقا لذلك يتعين على الدولة بناء نصف مليون وحدة سنويا لمدة 20 عاما؛ حتى تستطيع التغلب على هذه المشكلة المتفاقمة، بهدف توفير مسكن ملائم لكل فرد ومنع انتشار ظاهرة “العشش”، وهي التي بدأت منذ حقبة السبعينيات من القرن الماضي.
وانتقل الدكتور مصطفى مدبولي إلى ملف آخر وهو الدعم، وسعر الصرف المتقلب، لافتا إلى أن المؤتمر الاقتصادي طالب وقتها بحرية التعامل بالنقد الأجنبي، في الوقت الذي كانت كل مخصصات الدعم لا تتجاوز المليار ونصف مليار جنيه مصري.
وتحدث رئيس الوزراء عن علاج عجز الموازنة التي كانت تشهد عجزا شديدا، وكانت توصيات المؤتمر حينها تستهدف الإصلاح المالي، وأنه لابد من حل عجز الموازنة وتدبير النقد الأجنبي، وكانت نسبة الدين الخارجي للناتج المحلي الإجمالي في هذا الوقت تتجاوز نسبة الـ 100%، وشرح مدبولي مصطلح الناتج المحلي الإجمالي حتى يتفهم المواطن البسيط هذا المفهوم، قائلا: يعبر هذا المصطلح عن جملة ما ينتجه الاقتصاد في عام، مستكملا حديثه بالإشارة إلى أن الدين الخارجي حينها أكبر من حجم الاقتصاد ككل.
ثم انتقل رئيس الوزراء إلى نقطة أخرى أثيرت في هذا المؤتمر تحت عنوان: هل يمكن التصنيع للتصدير؟، شارحا الوضع آنذاك بأن قيمة العجز في الميزان التجاري ( الفرق بين الصادرات والواردات) تبلغ 2.5 مليار جنيه، وكان الحديث عن الحاجة إلى دعم قطاع الصناعة، حيث كان نصيب هذا القطاع من الناتج المحلي الإجمالي منخفضا، وأن الآراء اتجهت إلى ضرورة العمل على زيادته.
وحول “تغيير النمط الاستهلاكي” تحدث رئيس الوزراء عن سياسة الانفتاح الاقتصادي التي كان المقصود منها هو زيادة جذب الاستثمارات، وأن القطاع الخاص يدخل إلى قطاعات إنتاجية، ولكن نتيجة الظروف التي كانت تمر بها الدولة المصرية تحول نمط الانفتاح إلى نمط استهلاكي، وبالطبع كان التركيز على استيراد السلع الاستهلاكية وسلع رفاهية، ولم يكن هناك تركيز على القطاعات الإنتاجية، وبالتالي كانت الخطورة التي أشار إليها المؤتمر أن الاستهلاك القومي تزايد ثلاثة مرات بمعدل نمو سنوي 20%.
وفيما يخص التضخم، أوضح مدبولي أن حجم التضخم في ذلك الوقت كان قد وصل إلى 20% في العام 1980-1981، كما ظهرت الحاجة لتوفير فرص العمل لاستيعاب الزيادة السكانية التي تدخل إلى سوق العمل سنويا، حيث كان المطلوب حينها توفير 400 ألف فرصة سنويا مقارنة بالوقت الحالي الذي يتطلب ما يزيد على مليون فرصة عمل سنويا لاستيعاب شبابنا، وكان هناك حلم في تلك الآونة أن تصل الاستثمارات الكلية ( وهي جملة استثمارات الحكومة مع القطاع الخاص) إلى 6 مليارات جنيه لكي يتم توفير 400 ألف فرصة عمل، وكان هذا هو المستهدف في المؤتمر الاقتصادي وقتها.
وانتقل إلى ملف آخر تناوله المؤتمر الاقتصادي وهو القطاع العام ودور القطاع الخاص، مشيرا إلى أن القطاع العام الذي أصبح فيما بعد قطاع الأعمال العام يتبعه 372 شركة تعاني من مشكلات عديدة، وأن هناك ضرورة لتقوية دور القطاع الخاص لكي يقوم بدور أكبر في الاقتصاد.
ونوّه رئيس الوزراء إلى أن المؤتمر خرج بالعديد من التوصيات وكانت جميعها أفكارا جيدة، إلا أنه بعد 18 يوما فقط من انتهاء هذا المؤتمر، سطر الأديب العالمي نجيب محفوظ مقالا في جريدة الأهرام تحت عنوان (من الجاني؟) قال فيه ” إن أمهات الأفكار التي انبثقت من المؤتمر لم تكن جديدة.. ولا أقول ذلك تهوينا من عمل المؤتمر؛ فقد شخص الداء فأحسن تشخيصا واقترح شتى العلاجات .. وأتساءل إذا كان الداء معروفًا .. فكيف تُرك دون علاج؟”.
وعقب الدكتور مصطفى مدبولي على ذلك بالإشارة إلى أنه يمكننا تشخيص الداء ويمكننا كذلك اقتراح الدواء، ولكن يظل التحدي في قدرتنا على تنفيذ هذا العلاج.. هل الدولة لديها الإرادة والقدرة على تنفيذ هذا العلاج أم لا، ويرى رئيس الوزراء أن الكاتب كان ينتقد ضمنيا الأوضاع السابقة، مفترضا أننا إذا اقتبسنا هذه المقولة لأديبنا لنطبقها على مخرجات المؤتمر الاقتصادي 1982، وكيف استجابت الحكومات المتعاقبة في الفترة 1982 – 2011 لمحاولة معالجة الخلل القائم حينذاك في الدولة المصرية، ولذا فقد قمنا باختيار 10 مؤشرات رئيسية.
وفي هذا الإطار، أوضح رئيس الوزراء أن أول هذه المؤشرات يتمثل في أن المؤتمر الاقتصادي الكبير 1982 أشار إلى أن “تحديات الاقتصاد المصري أساسها اختلال التوازن في الحجم المتزايد للسكان، والذي لم تقابله زيادة مماثلة في الموارد الاقتصادية”، وقال مدبولي: هذا الحدث المتمثل في الزيادة السكانية اتضح بمقارنة الأرقام خلال 30 عاما، حيث تزايد عدد السكان من نحو 43 مليون نسمة في 1982 ليصبح نحو 81 مليون نسمة، أي بزيادة 38 مليون نسمة وهي تعادل زيادة في 27 دولة أوروبية خلال تلك الأعوام.