بنوك عربية
شهدت الصيرفة الإسلامية في الجزائر تطورًا ملحوظًا خلال العشر أعوام الأخيرة (2015-2025)، حيث تشير تقارير بنك الجزائر المركزي إلى النمو السريع لحجم الأصول المالية المجمعة وعدد المؤسسات والنوافذ المستحدثة من قبل المؤسسات المالية الإسلامية في الخمسة أعوام الأخيرة.
فمنذ إطلاق هذه التعاملات، بلغ إجمالي الودائع المحصلة من طرف البنوك الناشطة في مجال الصيرفة الإسلامية حاليًا 794 مليار دينار جزائري، بينما تجاوزت قيمة التمويلات المقدمة للشركات 493 مليار دينار جزائري. كما بلغ عدد النوافذ والوكالات المخصصة للصيرفة الإسلامية في الجزائر 861 موزعة عبر 12 بنكًا، منها 6 بنوك عمومية و6 بنوك خاصة.
ترجع أصول البنوك الإسلامية في الجزائر إلى المشروع الذي قدمه العالم الجزائري أبي اليقظان عام 1928، والذي دعا إلى إنشاء بنك أهلي يعمل وفق أحكام الشريعة الإسلامية. لكن إرادة المستعمر حالت دون ذلك.
وبدأت تجربة الصيرفة الإسلامية في الجزائر المستقلة بشكل محدود في التسعينيات مع بنك البركة وبنك السلام مطلع عام 2006، ثم اكتسبت زخمًا أكبر بداية من عام 2020، بفضل الجهود التي بذلتها الحكومة من أجل تعزيز هذا القطاع كجزء من إستراتيجيتها لتنويع مصادر التمويل ودعم الاقتصاد الوطني.
وتفتقر البنوك الإسلامية في الجزائر إلى إطار تنظيمي كافٍ لممارسة نشاطها بأريحية، نظرًا لحداثة وجدية الإصلاحات التي عرفها الإطار القانوني للبنوك الإسلامية في الجزائر. وبالرجوع إلى المنظومة القانونية الجزائرية، نجد أن البنوك الإسلامية كانت تسير عقودها وفقًا لمقتضيات القانون المدني والقانون التجاري. فقانون النقد والقرض 10-90 الذي صدر عام 1990 وعدل عام 2003 بالأمر 11-03 لم يفرد البنوك الإسلامية بمعاملة خاصة، وفي نفس الوقت لم يعترف بها أو يمنعها.
وظهرت أولى بوادر الإصلاحات القانونية مع التأسيس القانوني للصيرفة التشاركية في الجزائر وفقًا لنظام بنك الجزائر رقم 18-02، وسرعان ما تم التخلي عن العمل به وإلغاؤه لعدم وضوحه وغموض المصطلحات التي اعتمد عليها في التأسيس لمنظومة قانونية تليق بالمنظومة المالية في الجزائر.
فمصطلح “التشاركية” لا يعني “الإسلامية” ويتشابه إلى حد كبير مع المالية التشاركية المتعارف عليها لدى البنوك التقليدية والتعاونيات. لهذه الأسباب وأخرى، تم استبداله بالنظام 20-02 المؤرخ في 15 مارس 2020، والذي نص صراحة ولأول مرة على مصطلح “البنوك الإسلامية” وحدد العمليات البنكية المتعلقة بالصيرفة الإسلامية وقواعد ممارستها من طرف البنوك والمؤسسات المالية. كما صدرت التعليمة 20-03 المؤرخة في 02 أبريل 2020، والتي عرّفت المنتجات المتعلقة بالصيرفة الإسلامية.
هذه الإصلاحات التي عرفتها الجزائر لدعم البنوك الإسلامية كانت بحاجة إلى إصلاحات أكثر قوة قانونية تؤسس لمصرفية إسلامية أكثر وضوحًا. وفي هذا الإطار، يعد قانون رقم 23-09 الذي يتضمن القانون النقدي والمصرفي الصادر في 2023 بمثابة البنية التحتية لنشاط البنوك الإسلامية في الجزائر.
وتمثل هذه الخطوة نقلة نوعية في منح البنوك الإسلامية إطارًا قانونيًا واضحًا لعملياتها، حيث شملت تنظيم العقود الإسلامية مثل المرابحة والمشاركة والإجارة، وحددت الإطار التنظيمي لتسويق المنتجات المالية الإسلامية. كما ألزم البنوك بالحصول على اعتماد خاص من لجنة الفتوى على مستوى المجلس الإسلامي الأعلى قبل تقديم أي منتج إسلامي.
ورغم التطورات التشريعية والنمو السريع في حجم الأصول وعدد المؤسسات والنوافذ التي شهدها قطاع الصيرفة الإسلامية في الجزائر، إلا أن هناك تحديات تتعلق بمدى توافق هذه القوانين مع طبيعة التمويل الإسلامي. ومن أبرز هذه الجوانب:
*غياب قانون مستقل للبنوك الإسلامية: لا يزال القطاع يخضع لأحكام عامة للبنوك التقليدية، مما قد يحد من مرونة العمليات المالية الإسلامية.
*ضرورة توفير بيئة تنظيمية أكثر تحفيزًا: تحتاج التشريعات إلى مراسيم تنفيذية ولوائح تنظيمية لرسم خارطة طريق للتطبيق وتعديلات تستوعب متطلبات السوق الحديثة، مثل التحول الرقمي والتمويل الإسلامي المبتكر.
*عدم المساواة في المعاملة الضريبية: على الرغم من الإصلاحات الجبائية المتتالية التي أدرجت في قانون المالية بخصوص منتجات التمويل الإسلامي، فإن بعض المنتجات الإسلامية مثل المرابحة لا تزال تخضع لنظام ضريبي غير متناسب مقارنة بالتمويل التقليدي.
*الإطار القانوني المحدود للمنتجات المالية الإسلامية: رغم أن بنك الجزائر أصدر تعليمات لتنظيم بعض المنتجات الإسلامية، إلا أن اللوائح ما زالت غير شاملة لجميع الأدوات المالية الإسلامية.
*الرقابة الشرعية غير الموحدة: تختلف معايير الفتوى بين المؤسسات، مما قد يخلق تناقضات في تطبيق المعاملات الإسلامية.
*محدودية الوصول إلى سيولة البنك المركزي: البنوك الإسلامية لا تستفيد من نفس أدوات إعادة التمويل التي تعتمد عليها البنوك التقليدية، مما يضعها في موقف غير متكافئ من حيث إدارة السيولة.
*لمعالجة التحديات القائمة وتعزيز دور البنوك الإسلامية في الاقتصاد الجزائري، ينبغي تنفيذ مجموعة من الإصلاحات التشريعية، ومنها:
- إصدار قانون مستقل للصيرفة الإسلامية: يحدد طبيعة عمل البنوك الإسلامية بشكل أكثر دقة، ويفصلها عن الأحكام التقليدية.
- تحسين المعاملة الضريبية: مراجعة النظام الضريبي بحيث لا يكون التمويل الإسلامي في وضع غير تنافسي مقارنة بالبنوك التقليدية.
- إدخال أدوات مالية إسلامية جديدة: تعزيز إصدار الصكوك الإسلامية وتمكين البنوك الإسلامية من الاستفادة من التمويل طويل الأجل عبر هذه الأدوات.
- إنشاء هيئة شرعية مركزية أكثر استقلالية: لتوحيد المعايير الشرعية وضمان اتساق الفتاوى المتعلقة بالصيرفة الإسلامية.
- إتاحة الوصول إلى سيولة البنك المركزي: تطوير أدوات مالية متوافقة مع الشريعة تتيح للبنوك الإسلامية إدارة سيولتها بكفاءة أكبر.
- تعزيز التحول الرقمي في الصيرفة الإسلامية: تعديل القوانين بحيث تدعم الخدمات المصرفية الرقمية الإسلامية، مما يسهل تقديم الخدمات للعملاء بطرق أكثر كفاءة.