أخبار أخبار عالمية تقارير و دراسات

هل خرجت عملات الاقتصادات الناشئة من النفق؟

توقع تقرير نشره مركز أبحاث بنك قطر الوطني اليوم الأحد أن تحقق الأسواق الناشئة، خاصة في مجال أسعار صرف العملات الأجنبية، أداء أفضل من العام الماضي، بالرغم من التقارير العالمية السلبية مثل ضعف البيانات الدورية، وتقلب مزاج المستثمرين، ومحدودية فرص ارتفاع أسعار السلع. وفي الواقع، استقرت عملات الاقتصادات الناشئة الرئيسية منذ سبتمبر 2018 وبدأت تتعافى من المستويات المتدنية التي كانت عليها في الآونة الأخيرة.

وذكر التقرير أنه في مثل هذا الوقت من العام الماضي، وصلت عملات الأسواق الناشئة إلى أعلى مستوياتها في 30 شهراً، حيث كان الاقتصاد العالمي لا يزال في مزاج لقبول المخاطرة بعض الشيء. في وقت، ساد فيه تفاؤل عام حيال الانتعاش الدوري المتزامن للنمو على المدى الطويل.

لكن ساءت الأمور في الأسواق الناشئة لاحقاً بحسب التقرير مع تشدد الظروف المالية العالمية التي صاحبت تصاعد المخاطر السياسية وضعف الأداء الاقتصادي في منطقة اليورو واليابان. وحتى الصين، التي كانت جزءاً أساسياً من الانتعاش في الأسواق الناشئة لعام 2017، بدأت في التباطؤ مع تضاؤل دعم السياسات المحلية وتسبب التوترات التجارية مع الولايات المتحدة في إضعاف الأعمال التجارية وثقة المستهلك.

أضاف التقرير أن الفترة من فبراير إلى سبتمبر 2018،شهدت تدفقات للمحافظ غير المقيمة الخارجة من الأسواق الناشئة، باستثناء الصين، 44 مليار دولار، وتراجعت عملات العديد من الاقتصادات الناشئة الرئيسية. وانخفض مؤشر جيه بي مورغان لعملات الأسواق الناشئة، والذي يتتبع حركة عملات عشرة اقتصادات ناشئة رئيسية مقابل الدولار الأمريكي، بأكثر من 16%، مسجلاً مستويات قياسية من التدني منذ إنشاء المؤشر في 2010. ولكن بعد ذلك استقر المؤشر بشكل ملحوظ، بل استفاد من ارتداد جزئي بنسبة 4.8%. وقد أشار التقرير لأربعة أسباب رئيسية في دعم عملات الأسواق الناشئة.

وأول هذه الأسباب إعادة تسعير حادة لأسعار الفائدة في الولايات المتحدة بعد فترة سبتمبر- أكتوبر، عندما كانت عائدات سندات الخزينة الأمريكية لأجل 10 سنوات تفوق مستوى 3.0% بشكل مريح، فيما بلغت عائدات سندات الخزينة الأمريكية لأجل 10 سنوات عند حد أقل من مستوى الذروة بمقدار يتراوح بين 40 إلى 50 نقطة أساس، رغم مواصلة بنك الاحتياطي الفيدرالي رفع أسعار الفائدة في سبتمبر وديسمبر.

ويساهم نقلا عن التقرير تراجع الطلب والتصحيحات في أسواق الأسهم والمؤشرات على توقف مرتقب لدورة تطبيع السياسة النقدية من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي، في دفع العائدات للانخفاض، ومع تراجع العائدات في الولايات المتحدة، الأمر الذي يجعل أصول الدخل الثابت الأمريكية أقل استقطاباً للمستثمرين، تصبح أصول الأسواق الناشئة أكثر جاذبية، مما يحول اتجاه تدفق رؤوس الأموال نحو الأسواق الناشئة، أو يحد من هروبها من هذه الأسواق.

أما ثاني الأسباب التي ناقشها التقرير فقد تمثلت في التطورات الإيجابية في المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين التي تقلل من المخاوف بشأن المخاطر وتأتي لصالح الاقتصادات المفتوحة والمصدرين الرئيسيين للصين.

ويعتقد التقرير أن التوترات التجارية قد تراجعت منذ بداية ديسمبر، بعد اجتماع الرئيسين الأمريكي والصيني على هامش قمة العشرين في بوينس آيرس، عندما تم الاتفاق على وضع هدنة لمدة 90 يوماً أمام فرض تعريفات إضافية على ما يبلغ 260 مليار دولار من الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة.

وأكد التقرير أن ارتفاع الخلافات التجارية وزيادة توتر العلاقة الأمريكية-الصينية يعد جزءاً هاماً من موجات الشعور بالمخاطر مؤخراً، وتشكل الاضطرابات في التجارة العالمية أو في نمو الصين تهديداً للأسواق الناشئة، وتحديداً تلك التي تمثل حصة مرتفعة من الصادرات.

 

كما ساهم الاستقرار والتحسن في أسعار السلع الأساسية كثالث سبب في دعم عملات الأسواق الناشئة بتعزيزه الحسابات الخارجية للاقتصادات الناشئة المصدرة للسلع الأساسية، مشيرا إلى أنه بعد تراجعها بنسبة 10-20% منذ ذروتها الأخيرة في أبريل ‒ مايو 2018، استقرت أسعار المعادن، وارتفعت أسعار السلع الزراعية بنسبة 6% من المستويات المتدنية التي بلغتها في سبتمبر.

وأضاف التقرير أنه في ذات السياق ولكن في توقيت مختلف، تراجعت أسعار خام برنت بأكثر من 40% منذ مطلع أكتوبر، ثم ارتفعت بنسبة 22% منذ أواخر ديسمبر 2018، ليوفر بذلك دعماً كبيراً للعملات التي يتم بها التعامل في السلع بالأسواق الناشئة، فهو يزيد الطلب على العملات المحلية.

كما اعتبر التقريراعتدال قيمة الدولار الأمريكي بعد ارتفاعها على نحو كبير السبب الرابع لدعم عملات الأسواق الناشئة، إذ ارتفعت قيمة الدولار الأمريكي بنسبة 4.3% في عام 2018، مقابل سلة عملات مؤشر الدولار الأمريكي (DYX) للاقتصادات المتقدمة، وحدثت طفرة كما ذكر التقرير في قيمة الدولار في الفترة بين أبريل ومايو 2018، ثم بدأ مؤشر الدولار الأمريكي يتحرك في نطاق أضيق.

ويشير التقرير إلى أنه منذ الذروة التي بلغها في نوفمبر، هبط الدولار الأمريكي بنسبة 1.3% مقابل سلة مؤشر الدولار الأمريكي، وفي العادة، يؤدي ارتفاع أو تعزز قيمة الدولار الأمريكي إلى جذب رؤوس الأموال إلى الأصول الأمريكية، بينما يعمل ضعف أو تراجع قيمة الدولار الأمريكي إلى دفع رؤوس الأموال إلى الأصول غير الأمريكية، بما فيها أصول الأسواق الناشئة.

ويرى التقرير أنه وبالرغم من أن الاتجاهات الأخيرة كانت في معظمها إيجابية بالنسبة للأسواق الناشئة، كما كان توازن المخاطر آخذاً في التحسن، إلا أنه لا يمكن تجاهل المخاطر الماثلة، المتمثلة في مسار السياسة النقدية الأمريكية، ومحادثات التجارة، وتباطؤ النمو في الصين، والتي بإمكانها أن تعمل بطرق مختلفة ومن خلال قنوات عديدة على خلق نوبة جديدة من التغيرات المفاجئة في تدفقات رؤوس الأموال والتسبب في انخفاض قيمة العملات الأجنبية أو حتى خلق أزمة عملات، خاصة في الأسواق الناشئة ذات مستويات الديون المرتفعة والمتصاعدة. وبعبارة أخرى، فإنه بالرغم من أن البيئة الخلفية أفضل لهذه الدول، إلا أن الأسواق الناشئة لم تخرج بعد من النفق.