ذكر تقرير نشره مركز أبحاث بنك قط الوطني اليوم الأحد أن أسعار السلع الأساسية بدأت تتعافى من المستويات المنخفضة التي تم تسجيلها مؤخراً في أواخر ديسمبر بعد ارتفاعات مايو- أكتوبر 2018، كما ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز- غولدمان ساكس للسلع الأساسية (S&P GSCI)- وهو مقياس رئيسي للتحركات العامة لأسعار السلع الأساسية- بنسبه 9.3% من أواخر ديسمبر إلى وقت كتابة هذا التقرير في أواخر يناير 2019، بعد أن كان قد هبط بنسبة 26.9% خلال الفترة من أوائل أكتوبر إلى ديسمبر 2018.
وبحسب تقرير البنك فقد تحرك مؤشر بلومبيرغ للسلع الأساسية – الأقل اعتماداً على السلع النفطية- في مسار مماثل، وإن كان بقدر أقل، حيث انتعشت الأسعار بنسبه 4.6% منذ أواخر ديسمبر، بعد انخفاضها بنسبه 16.2% من ذروتها في الفترة من مايو 2018 إلى أواخر ديسمبر. وسيتطرق تحليلنا للأسباب الكامنة وراء الاتجاه الأخير في أسعار السلع الأساسية والعوامل الثلاثة التي ستحدّ من الاتجاه الصعودي في الأسعار خلال السنوات القادمة.
ويرتبط الانتعاش الحالي في أسعار السلع الأساسية نقلا عن التقرير بعنصرين داعمين رئيسيين أولهما، أسواق العملات الأجنبية، حيث أن ضعف الدولار الأمريكي يعمل في العادة لصالح أسعار السلع، وبما أنه يتم تحديد أسعار معظم السلع الأساسية مقابل الدولار الأمريكي، فإن حجم الطلب غير الأمريكي يميل إلى الزيادة كلما انخفضت قيمة الدولار الأمريكي، وهو ما يدفع الأسعار إلى الارتفاع، وقد انخفضت قيمه الدولار الأمريكي بنسبه 1.8% مقابل سلة مؤشر الدولار الأمريكي (DXY) منذ نوفمبر 2018.
فيما أوضح التقرير أن السبب الثاني يتمثل في انعكاس اتجاه الاستجابة السعرية المفرطة لأسعار السلع في سياق استمرار سلامة النمو العالمي وبداية الدورة المتأخرة لحركات الأسعار، وبالرغم من تراجع النمو في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو والصين واليابان، من المتوقع أن يستقر الطلب على السلع عند مستويات معقولة.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ النمو العالمي في 2019 بحدود متوسط ما بعد أزمة إفلاس بنك لهمان، أي 3.4% على أساس سنوي. علاوة على ذلك، تتحرك الدورة الاقتصادية الرئيسية في الولايات المتحدة تدريجياً باتجاه الدورة المتأخرة أو التوسع المتأخر، وهو ما يعني عادة ارتفاع التضخم وزيادة في تشدّد السياسات النقدية، أي ظروف مواتية للسلع أكثر منها للأسهم أو أصول الدخل الثابت.
وأوضح التقرير أن هناك ثلاثة عوامل أو معوقات من شأنها أن تحد من نطاق الارتفاع في أسعار السلع خلال السنوات القادمة، يتمثل أولها في التضخم والتوقعات الخاصة بالتضخم، الذي يرتبط بعلاقة إيجابية مع أسعار السلع، مقيداً بالتغيرات طويلة المدى في الاقتصادات المتقدمة.
وتاريخياً كما ذكر التقرير فإن أسعار السلع تنتعش أكثر بعد بدء تسارع التضخم، حيث تنشأ حلقة ردود فعل إيجابية ويتحول المستثمرون نحو السلع باعتبارها ملاذاً آمناً من التضخم، لكن أصبح ما يعرف بمنحنى فيليبس، أو العلاقة طويلة المدى بين البطالة والتضخم، يأخذ مساراً أفقيا أكثر، مع الصعوبات التي تواجه نمو الأجور بسبب العديد من المتغيرات الهيكلية في سوق العمل. وعلى الرغم من فجوات الإنتاج الإيجابية، أو تزايد الطلب بمستويات أعلى من الناتج المحلي الإجمالي الممكن في العديد من الاقتصادات المتقدمة، فإن التضخم لن يرتفع بشكل أكبر إذا لم تتجاوب الأجور مع ضيق أسواق العمل.
ويتمثل ثاني هذه العوامل في تدني الطلب على السلع المعمرة في الاقتصادات المتقدمة، فقد تراجع الطلب الهيكلي على السلع عالية التكلفة (المنازل والأجهزة المنزلية والسيارات) بشكل واضح منذ الأزمة المالية العالمية لسنة 2008، حيث أصبح تقليص الديون أمراً شائعاً وبدأ شباب جيل الألفية في تغيير الأولويات الاستهلاكية. ومع تراجع الطلب على مثل هذه السلع، ينخفض الإنفاق الرأسمالي كثيف الاعتماد على المواد، وهو ما يؤثر بدوره على توقعات أسواق الطاقة والديزل والمعادن الأساسية.
وثالث هذه العوامل كان التغير في مرونة أسعار المعروض من السلع الأساسية، أي مدى استجابة الإنتاج أو الكمية المعروضة لتغير الأسعار، إذ تعاني أسواق السلع من التباين في سرعة استجابة العرض والطلب، حيث تكون استجابة االعرض بطيئةً في المدى القصير، وهي مشكلة يُشار إليها بـ”دورة الماشية”. ويساهم ذلك في خلق فترات من النقص الحاد أو الارتفاع الكبير في المعروض، وهو ما يؤدي بدوره إلى تحركات كبيرة في الأسعار. وفي حين أن هذا الأمر لا يزال ينطبق على سلع مثل النحاس أو النفط الصخري، إلا إن التقدم التكنولوجي والابتكار يعملان على تقليص فجوة المرونة ما بين العرض والطلب ويجعلان الطلب أسرع استجابة للأسعار في المدى القصير. وأفضل مثال على ذلك هو تأثير النفط الصخري في أسواق الطاقة.
وإجمالاً فقد خلص التقرير إلى أنه من المتوقع أن ترتفع أسعار السلع مع ضعف الدولار الأمريكي واكتمال الدورة الاقتصادية الأمريكية تدريجياً، ولكن الاتجاه الصعودي لارتفاع أسعار السلع سيكون محدوداً بسبب تغيرات هيكلية مهمة.