بنوك عربية
توقع خبراء اقتصاد ومحللون لدى بنوك عالمية أن مجلس الاحتياط الفيدرالي الأمريكي مستمر في سياسته برفع أسعار الفائدة لمواجهة التضخم المرتفع والحفاظ على استقرار الأسعار، حيث من المتوقع أن تواصل أسعار الفائدة ارتفاعها في الأشهر القادمة للسيطرة على ارتفاع غير مسبوق لأسعار السلع الاستهلاكية منذ 40 عاما.
وكان الفيدرالي الأمريكي قد أعلن عن رفع أسعار الفائدة لعدد من المرات خلال العام الجاري لتصل لمستويات غير مسبوقة، مع توجه البنوك العالمية لاتخاذ اجراءات وخطوات مماثلة برفع أسعار الفائدة بما في ذلك بنك إنجلترا الذي رفعها للمرة الخامسة على التوالي، بينما رفعها البنك المركزي السويسري للمرة الأولى منذ 15 عاما.
ويتوقع مسؤولو الفيدرالي الأمريكي أن يرتفع سعر الفائدة إلى 3.4% بحلول نهاية 2022، وإلى 3.8% في 2023، وهو ما سيؤثر على الشركات والافراد، كونه يسهم في ارتفاع تكاليف الاقتراض الخاصة بالرهون العقارية والسيارات وبطاقات الائتمان أو أي ديون أخري، بما يؤكد المخاوف المتزايدة بشأن ارتفاع تكاليف المعيشة.
ومن المتوقع أيضا أن يكون لرفع الفائدة تداعيات عدة على الدول النامية حيث تزيد من الضغوط على تلك الاقتصادات، وتزيد تكلفة الاقتراض وخدمة الديون، إضافة إلى تداعيتها على أسواق الأسهم والسلع والنفط العالمية بعد أن سجلت خسائر حادة الأسبوع الماضي، حيث أظهرت البيانات انخفاض “نيكاي” الياباني بنسبة 6.7% بأكبر خسائر أسبوعية منذ أبريل الماضي، وهبطت مؤشرات وول ستريت الأمريكية للأسبوع الثالث على التوالي مع انخفاض “ستاندرد آند بورز” بنسبة 5.8%، وتراجع “داو جونز” بنحو 4.8%.
وفي الأسواق الأوروبية، انخفض مؤشر “ستوكس 600” بنسبة 4.6%، ونزل مؤشر “داكس” الألماني 4.6%، وتراجع مؤشر “فوتسي 100” البريطاني 4.1%، وهبط مؤشر “كاك” الفرنسي 4.9% .. كما انخفضت العقود الآجلة لخام برنت القياسي بنسبة 7.3%، وتراجع خام نايمكس الأمريكي بنسبة 9.2%.
وقال ستيفان جيرلاش، كبير خبراء الاقتصاد لدى بنك إي إف جي في زيوريخ لوسائل الإعلام: ” من الواضح أن الفيدرالي الأمريكي فوجئ بقوة التضخم ويحاول الآن استعادة السيطرة على الوضع .. ولا تزال أسعار الفائدة منخفضة للغاية ويواجه الفيدرالي إزاء ذلك مشكلة حساسة تتمثل في رفعها إلى مستوى ملائم، كما يبذل الجهود في الوقت نفسه لمنع التسبب في الركود”.
وارتفعت معدلات التضخم في الولايات المتحدة إلى 8.6% في مايو الماضي لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ عام 1981 مع ارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء، وهو ما وضع أعباء كبيرة على كاهل الأسر وضغوطا على صنّاع السياسات.
وأضاف جيرلاش : ” تاريخيا، كانت حالات الركود في الولايات المتحدة مسبوقة بزيادة في أسعار النفط وتحرك الاحتياطي الفيدرالي نحو زيادة أسعار الفائدة .. وعلى الرغم من أن الركود ليس السيناريو الأساسي في الوقت الحالي، إلا أن مخاطره بدأت في التنامي بوضوح ” .
وقال بيل باباداكيس، محلل الاقتصاد الكلي في بنك لومبارد أودييه : ” بالرغم من التركيز الكبير على كبح التضخم، إلا أن الخطر يكمن في لجوء الاحتياطي الفيدرالي إلى تشديد السياسة النقدية، ما قد يزيد فرص حدوث انكماش اقتصادي أكثر حدة”.
ويتوقع البنك الدولي تراجعا في النمو العالمي إلى 2.9% في 2022 من 5.7% في 2021، بينما من المتوقع أن يتباطأ النمو في الاقتصادات المتقدمة بشكل حاد إلى 2.6% في عام 2022 و2.2% عام 2023 بعد أن بلغ 5.1% في عام 2021.
وأضاف باباداكيس: ” الفيدرالي الأميركي أكد انطلاق دورة متسارعة لرفع أسعار الفائدة لكبح التضخم، حيث نتوقع ارتفاع الفائدة بواقع 75 نقطة أساس في يوليو، و50 نقطة أساس في سبتمبر، و25 نقطة أساس في نوفمبر وديسمبر ” .
وارتفع سعر فائدة الأموال الاتحادية قصيرة الأجل بعد الزيادة الأخيرة إلى نطاق بين 1.50% و1.75%، فيما يتوقع مسؤولو الفيدرالي الأمريكي أن يرتفع معدل الفائدة إلى 3.4% بنهاية العام 2022.
وقال سامي شعار، كبير الخبراء الاقتصاديين في بنك لومبارد أودييه : ” يفترض السيناريو الحالي لدينا أن استقرار أسعار الفائدة النهائية عند 3.75%، سيتجاوز بالاقتصاد الأميركي أسوأ حالات التشديد النقدي دون أضرار جسيمة، وذلك بحدوث ركود معتدل في 2023 ترتفع فيه نسبة البطالة إلى حوالي 4.5% – 5% دون زيادةً كبيرة في معدلات تخلف الشركات عن السداد”.
وأضاف شعار: ” لا شك أن معاودة الانفتاح الصيني الذي يساعد بدوره سلاسل التوريد، واستمرار انحسار مشكلات ما بعد الجائحة، وتراجع الطلب متأثرا بظروف مالية أشد وطأة، سيؤدي إلى تراجع معدل التضخم دون 4% بحلول منتصف عام 2023 مع وجود مسار تنازلي واضح بالفعل بحلول الربع الرابع من العام الجاري ” .
وتستخدم البنوك المركزية “أسعار الفائدة” للتحكم بمعدل التضخم، حيث إن رفع سعر الفائدة يجعل من الحصول على النقد أكثر تكلفة مما يخفض المعروض النقدي في النظام الاقتصادي، ويؤدي بالتالي إلى خفض معدل التضخم.
ويحدث “التضخم”، وفق دراسة لصندوق النقد العربي، نتيجة زيادة حجم الإصدار النقدي دون حدوث زيادة مقابلة في مستويات المعروض من السلع والخدمات، وهو ما يؤدي إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات وارتفاع معدل التضخم.
ويمكن علاج التضخم من خلال السياسات التي تؤثر على جانب الطلب الكلي، ومن أهمها السياستان النقدية والمالية، عبر استخدام أدوات السياسة النقدية للتحكم في معدلات التضخم من خلال التأثير على مستويات المعروض النقدي، فكلما ازداد عرض النقد أكثر من المعروض من السلع والخدمات كلما ارتفعت معدلات التضخم والعكس صحيح.
وتعتمد الدول استخدام أدوات السياسة النقدية بغرض معالجة التضخم، حيث تقوم برفع سعر الفائدة للتقليل من الائتمان الممنوح، وبالتالي ستنخفض مستويات الطلب الكلي، وتتراجع معدلات التضخم، بافتراض بقاء قيمة العوامل الأخرى على حالها.