بنوك عربية
تعتزم السلطات التونسية للحد من استقلالية البنك المركزي التونسي في إطار الإصلاحات التي اقترحتها حكومة نجلاء بودن، رئيسة الحكومة التونسية ما يهدد بحسب خبراء بمزيد من التعقيدات في الطريق نحو تأمين خط إنقاذ من صندوق النقد الدولي.
ويٌرجح الملاحظون أن تضع التغييرات المقترحة التي قد تراجعها هيئة موالية بشكل كبير للرئيس قيس سعيد، البنك المركزي التونسي ضمن قائمة متزايدة من المؤسسات التي باتت على رادار الإصلاحات منذ صيف 2021.
ويرى رياض جعيدان النائب في البرلمان في مقابلة مع وكالة بلومبرغ أن إحدى الأفكار الرئيسية وراء هذه الخطة، هي معالجة “فشل” البنك المركزي في إدارة العلاقات مع البنوك المحلية منذ أن اكتسب استقلالية أكبر قبل سبع سنوات.
ويٌشار إلى أن السلطات قد أقرت في عام 2016 قانون منح البنك المركزي التونسي مزيدا من الاستقلالية بغية تعزيز أدائه عبر مواكبة الحوكمة العصرية والنأي به عن أي تجاذبات سياسية محتملة، لكن الرافضين له أكدوا أنه يكرس التبعية لصندوق النقد الدولي.
وحدّ القانون من تدخل الحكومة في سياسات المركزي، لكنه ترك لرئيس الوزراء الحق في تشكيل لجنة للتدقيق في حال وجود شبهات فساد.
كما قدم البنك المركزي السلطة المطلقة في ضبط السياسات النقدية وسياسة الصرف والتحكم في الاحتياطي والتصرف في الذهب.
وليكتسب قوة أكبر في نشاطه، تقرر كذلك تأسيس هيئة للرقابة والتصرف في الأزمات تتولى إصدار التوصيات وحماية الاقتصاد من الآثار المحتملة التي قد تترتب على أي اضطرابات في الاقتصاد العالمي.
وبين جعيدان، وهو مساعد رئيس مجلس النواب المكلف بالإشراف على الإصلاحات الكبرى “نحن لسنا ضد وجود بنك مركزي قوي يلعب دوراً في الاقتصاد الوطني والمالية العامة، لكن يجب أن تكون هناك حدود”.
وأكد أن الخطوة تأتي في إطار “مرحلة جديدة من التصدي لكل من ساهم في تعطيل الدولة التونسية”.
وتتفاقم محنة صانعي السياسات المالية في تونس بين مواجهة ارتفاع التضخم وغليان الأسعار وبين حماية النموّ الاقتصادي الهش، في محاولات شاقة للصمود والابتعاد عن شبح الإفلاس غير المعلن، كما يقول محللون.
وتحتاج تونس إلى حلول “وطنية ومحلية” لمشكلاتها، حسب جعيدان، الذي ردّد ما يقوله سعيد عن أن التأثيرات الأجنبية هي التي تسببت في الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها البلاد منذ بداية ما عُرف بـ”الربيع العربي” قبل أكثر من عقد.
ومن المعروف أن الرئيس سعيد ومروان العباسي محافظ البنك المركزي كانا على خلاف حول ضرورة خطة الإنقاذ من صندوق النقد الدولي.
ووجّه منتقدون اللوم إلى البنك المركزي لدعمه خطة الإنقاذ التي لم يراجعها بعد للموافقة عليها من قبل مجلس مدراء صندوق النقد.
وكانت خطوة دعم استقلالية المركزي في عام 2016 ساعدت في حصول تونس على مساعدات سابقة من الصندوق بقيمة 2.9 مليار دولار.
كما ساعدت الخطوة السلطة النقدية، التي عبرت مرارا عن رفضها لاستنزاف الاحتياطات النقدية من العملة الصعبة من أجل تمويل ميزانية عام 2021 حينما كان يتولى الحكومة آنذاك هشام المشيشي.
وفي تشرين الأول الماضي/ أكتوبر الماضي قال العباسي إن بلاده “ستبدأ قريبا إصلاحات اقتصادية صعبة تأجلت لسنوات، مضيفا أن السلطات المالية تحاول الحفاظ على استقرار الدينار”.
ويعتبر أول تصريح من جهة رسمية يقر بصعوبة الإصلاحات التي يطالب بها صندوق النقد ويتحدث عن أفق زمني لهذه الإصلاحات بعد أن تضاربت تصريحات الوزراء بشأن حدود هذه الإصلاحات.
وووفق خبراء فإن ظهور محافظ المركزي للتحدث عن الإصلاحات مردّه أن الرجل يشغل منصبا إداريا تقنيا وليس سياسيا، ما يجعل تصريحاته ذات مصداقية.
كما أن ظهوره يجنب الحكومة الصدام مع المعارضين، ويمنعهم من توظيف هذه الحقائق في الهجوم عليها، أو استهداف الرئيس سعيد.
لكنّ البعض يرى أن تصريحات العباسي لا تعفي الحكومة من الظهور للدفاع عن خيارات الإصلاح، فهي حكومة تكنوقراط وتنفذ خطط الرئيس سعيد، ومهمتها أن تنفذ وتشرح تفاصيل هذه الخطط دون حسابات سياسية.
وفي مقابلة مع بلومبرغ الثلاثاء الماضي، قال سمير سعيد وزير الاقتصاد والتخطيط إن بلاده “حريصة في هذه المرحلة على التوصل في أقرب وقت ممكن إلى اتفاق نهائي بشأن خطة الإنقاذ الجديدة البالغة 1.9 مليار دولار مع الصندوق”.
وحتى الآن، لا تستهدف السياسة النقدية لتونس تخفيضا في قيمة العملة المحلية، كما أن الحكومة نفت مرارا نيّتها تعويم الدينار مع أن المسألة لا تزال تثير جدلا واسعا في الأوساط الاقتصادية.
وقياسا بعملات أخرى بالمنطقة العربية، يعد الدينار التونسي الناجي الوحيد من مقصلة فوضى الاقتصاد جراء رياح “الربيع العربي”.
ويقول البعض إن انخفاض سعره بأجزاء مئوية بسيطة خلف الصفر ليس مشكلة، ولا يعني أنه فقد قيمته على اعتبار أن سعر صرف الدولار يتأرجح بين 2.7 و3 دنانير كما أن اليورو يتأرجح بين 3 و3.5 دينار طيلة العشرية الأخيرة. ومع ذلك يبدو أنه يشكل عائقا.
وستكون الاحتياطيات الأجنبية السيادية لتونس أمام اختبار صعب كما هو متوقع في الفترة المقبلة، حيث تُستحق في أغسطس المقبل سندات بقيمة 162 مليون دولار، فيما تُستحق في أكتوبر أيضاً ديون بقيمة 534 مليون دولار.
وكانت الحكومة استعانت في وقت سابق من الشهر الجاري بالبنوك المحلية للحصول على قرض بالعملات الأجنبية.
وعلى هامش الاجتماعات السنوية لبنك التنمية الأفريقي بشرم الشيخ في مصر قال وزير الاقتصاد التونسي إن “مخاوف الأسواق بشأن تعثر محتمل عن السداد غير مبررة”.
وأضاف أنه “مع ذلك، لا يمكن استبعاد هذا الاحتمال بالنسبة إلى دول مستوردة للسلع الأساسية لا تحصل على دعم دولي من دول ومقرضين لم يحددهم”.
وفي غضون ذلك، يعاني التونسيون من تفاقم نقص الغذاء، الذي ألقى سعيد باللوم فيه على “لوبيات وأطراف” لم يحددها، إلا أن نقابة أصحاب المخابز التونسية قالت إن “المشكلة عائدة إلى تأخر الحكومة في صرف المنح المخصصة لدعم الخبز”.
-(المصدر: العرب)–