بنوك عربية
فرضت معدلات التضخم المرتفعة ضغوطا كبرى على البنوك المركزية العالمية، ووضعتها في مسار إضطراري مستخدمة السياسة النقدية التشددية في ظل إستمرار المخاطر المحيطة بالإستقرار المالي .
وإرتفع التضخم الأساسي بمصر إلى 19 في المائة بنهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي مقابل 18 في المائة بنهاية سبتمبر السابق له، وفقا لبيانات البنك المركزي المصري.
وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بمصر، إرتفاع الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين لإجمالي الجمهورية (التضخم) إلى 137.2 نقطة لشهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مرتفعا بنسبة 02.5 في المائة على أساس شهري قياسا بشهر سبتمبر السابق .
وأعلن الجهاز أن التضخم على أساس سنوي لإجمالي الجمهورية المصرية ارتفع أيضا خلال أكتوبر/ تشرين الأول ليصل إلى 16.3 في المائة من 07.3 في المائة لنفس الشهر من العام الماضي 2021.
وأوضح خبراء تحدثوا إلى موقع “بنوك عربية” أن البنك المركزي المصري يستخدم أحد ادوات السياسة النقدية وهو سعر الفائدة من أجل خفض التضخم والسيطرة عليه كما يستخدم سعر الفائده لدعم قيمه الجنيه أمام الدولار الأمريكي وبذلك يستخدم البنك المركزي المصري سعر الفائده لضبط التضخم ودعم سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي .
ويتبنى البنك المركزي المصري سياسة طموحة لخفض معدلات التضخم الوصول بها إلى الحدود الآمنة والمستهدفة ومحاولة امتصاص الصدمات التي اقترنت بجائجة كوفيد-19 مرورا بالحرب الروسية الأوكرانية، ولكن لايزال الأمر محفوفا بالضبابية وعدم اليقين .
وقال هاني جنينة الخبير الإقتصادي المصري في تصريحات لـ “بنوك عربية”، إن الأسواق الناشئة بدأت في المعاناة من ارتفاع معدلات التضخم لسببين رئيسين : الأول يتمثل في ارتفاع أسعار السلع عالميا مع تعافي الطلب في معظم دول العالم بعد أزمة كوفيد-19 بالتزامن مع سياسات التحفيز النقدي في الولايات المتحدة الأمريكية و الإتحاد الأوروبي ، والسبب الآخر يتمثل في معاناة الأسواق الناشئة من صدمة اخري تتمثل في تخارج الأموال الساخنة في نهاية 2021 مع تغير نبرة مجلس البنك الإحتياطي الفدرالي الأمريكي فيما يخص التضخم.
وإعتبر أن تخارج الأموال الساخنة أدى إلى ضغوط علي أسعار صرف الدول الناشئة حيث تفاقمت هذه الضغوط في الربع الاول من 2022 حتي قبل إندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.
و أوضح أن مصر بصفتها من الأسواق الناشئة عانت من العاملين السابق ذكرهما بالرغم من تأخر صدمة سعر الصرف إلي شهر مارس 2023، فبعد إستقرار معدلات التضخم قرب مستهدف المركزي لحوالي 03 أعوام متتالية، بدأت معدلات التضخم في التسارع إلى أن وصل معدل التضخم الأساسي حاليا 19 في المائة و هو أعلي معدل له منذ ما يقارب الــ 05 أعوام.
و أضاف أنه بالرغم من أن صدمة التضخم في مصر كانت مدفوعة بصدمات خارجية في بدايتها، إلا أنها سرعان ما تحولت الي صدمة طلب ما تسارع لنمو نقود الإحتياطي الصادرة من المركزي و المعروض النقدي بالجنيه المصري.
يشار إلى أن نسبة النمو في نقود الاحتياطي بلغت حوالي 30 في المائة خلال الأربعة أشهر من مارس 2022 الي أغسطس 2022 مع إقدام الحكومة علي اقتراض ما يقرب من 250 مليار جنيه مصري لتمويل العجز في الموازنة بعد ارتفاع أسعار الفائدة في مارس و مايو بمقدار 300 نقطة أساس.
و كنتيجة لتسارع النمو في نقود الإحتياطي، بلغ النمو في المعروض النقدي المقوم بالجنيه المصري بحوالي 21 في المائة في أغسطس مقارنة بأغسطس من العام الماضي.
و فسر “جنينة” النمو في المعروض النقدي بأنه جاء مدفوعا بالنمو في الإقراض للحكومة و الإقراض للقطاع الخاص لتمويل بناء مخزونات ضخمة من المواد الخام و تمويل القطاع العائلي خاصة في ظل إرتفاع معدلات التضخم.
وقال : بالإضافة إلى ما عانت منه الأسواق الناشئة في العالم أجمع من صدمتي أسعار السلع و سعر الصرف ، فإن سرعة النمو في السيولة في مصر فاقمت من صدمة التضخم المستورد.
وذكر أنه بالرغم من إنخفاض أسعار السلع عالميا خاصة اسعار الغذاء إلى مستويات تقارب مستويات ما قبل الأزمة الأوكرانية، إلا أن صدمة التضخم المستورد ما زالت مستمرة خاصة بعد قرار أوبك بلس تخفيض الإنتاج اليومي بمليوني برميل مما دفع أسعار النفط لمستويات الـ 90 دولار أمريكي مرة أخرى بعد أن كانت قاربت علي كسر حاجز الـ 80 دولار أمريكي لادني.
و علي المستوي المحلي توقع الجنينة أن تستمر معدلات التضخم في مصر في النمو خلال الاشهر القادمة نتيجة سببين رئيسين:
اولا، تحرير سعر الصرف مع قرب توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي مما سيدقع اسعار عدد من السلع و الخدمات المحددة أسعارها إداريا إلى الزيادة مثل الطاقة و الدواء.
السبب الثاني وفقا لجنينة يكمن في رفع أسعار الطاقة مع توجه الدولة للتحول من الدعم العيني الي الدعم النقدي، متوقعا أن يتم تعديل أسعار الطاقة بصورة إستثنائية خلال الأيام القادمة و من الممكن أيضا تعديل آليه عمل لجنة تسعير الطاقة لتعديل دورية الاجتماع الي شهرية.
و بالتالي فإن من الضروري إتخاذ الاجراءت للسيطرة علي ما يعرف بتوقعات التضخم مثل رفع أسعار الفائدة في الاجتماع القادم لتحجيم النمو في المعروض النقدي، متوقعا إستمرار التشديد النقدي الي منتصف 2023 إلى أن تعود معدلات التضخم إلى معدلات أحادية.
و قد بادر المركزي بالفعل برفع نسبة الإحتياطي الالزامي من 14 في المائة إلى 18 في المائة في الإجتماع السابق مما كان له أثر مماثل لرفع الفايدة كما يظهر جليا العائد على أذون الخزانة بما يتراوح من نصف إلى 01.0 في المائة خلال الشهر الماضي.
ودعا جنينة إلى ضرورة تقييد السياسة المالية لأنها أحد الدوافع الأساسية للنمو في السيولة نتيجة إقتراض الحكومة من البنوك و في بعض الأوقات من المركزي مباشرة .
وأكد على أهمية رفع معدلات إنتاجية العامل حتي تنخفض تكلفة الإنتاج و تنخفض أسعار السلع و الخدمات علي المدي المتوسط و الطويل.
وقال ماجد فهمي الخبير المصرفي والرئيس السابق لمجلس إدارة بنك التنمية الصناعية المصري في تصريحات لموقع “بنوك عربية” إن التضخم مرض خطير تعانى منه إقتصادات معظم الدول ومن ضمنهم مصر حيث بدأ بعد إنتشار جائحة كوفيد-19 وإستشرى وزادت حدته مع تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية .
وأوضح أن البنوك المركزية تحاول وتبذل قصارى جهدها للتحكم فى كبح جماح التضخم والتحكم فيه وذلك بإستخدام أدواتها المعتادة، موضحا أن أهم تلك الأدوات بالطبع هو سعر الفائدة على العملة المحلية لكل دولة .
وأشار إلى أن بنك الإحتياطي الفيدرالى الأمريكى قام برفع سعر الفائدة على الدولار الأمريكي عدة مرات وتبعه العديد من البنوك المركزية فى كندا وأوروبا والشرق الاوسط وغيرهم ، وكان الغرض من رفع سعر الفائدة هو سحب قدر من السيولة المتداولة فى الأسواق بتوجيهها إلى الإدخار، وبالتالى تخفيض القوى الشرائية لإعادة التوازن بين العرض والطلب والذى أدى إختلاله الى زيادة الأسعار وقفزة معدل التضخم .
وعلى صعيد مصر جاء قرار البنك المركزى المصري فى الإجتماعين السابقين للجنة السياسة النقدية مخالفا لكثير من التوقعات حيث لجأ المركزي لتثبيت سعر الفائدة مع زيادة الإحتياطى الإلزامي على ودائع البنوك لدى البنك المركزى المصري من 14 في المائة إلى 18 في المائة بحسب الفهمي.
وذكر أن القرار بالطبع كان مدروسا وله أسبابه الخاصة حيث أن التضخم فى مصر له طبيعة مختلفة فهو ليس نتاج خلل بين العرض والطلب وإنما جاء نتيجة إرتفاع الأسعار فى الأسواق الخارجية من جهة ، ومن جهة أخرى جاء بسبب إرتفاع سعر الصرف وإنخفاض قيمة الجنيه المصرى.
وتساءل فهمي : ماذا نتوقع ان يكون القرار فى الإجتماع القادم للجنة السياسة النقدية فى ضوء المستجدات والتى تشمل نمو معدل التضخم ، وارتفاع سعر الصرف، وتوجه البنوك لإصدار شهادات إدخار دولارية بفائدة 05.50 في المائة، هذا بالاضافة الى وصول المفاوضات مع صندوق النقد الدولى لحصول مصر على القرض المطلوب الى درجات إيجابية متقدمة مما يعنى الاتفاق على شروط القرض التى ربما تشمل التعرض لسعر الفائدة… هل نتوقع زيادة ام إستمرار فى التثبيت ؟
وأجاب فهمي : أنه لابد من إستعرض نظرة تحليلية للأثار الايجابية والسلبية لقرار رفع سعر الفائدة ، أخذا فى الإعتبار أننا نتحدث هنا عن سعر فائدة الإيداع والاقراض، والذى يطلق عليه (الكوريدور ) حتى يتم وضع الأمور في نصابها الصحيح .
وبحسب الرئيس السابق لبنك التنمية الصناعية تنطوي الآثار الإيجابية لرفع الفائدة على مواكبة الزيادة فى معدل التضخم والذى بلغ حوالي 18 في المائة (سعر تضخم أساسى فى سبتمبر 2022 على أساس سنوى)، وبالتالى تعويض المدخرين عن انخفاض قيمة مدخراتهم نتيجة تلك الزيادة بالإضافة إلى سحب قدر أكبر من السيولة وتحقيق مزيد من تحجيم الطلب، وكذلك محاولة إعادة أجزاء من الإستثمارات غير المباشرة ( الأموال الساخنة ) للمساهمة فى حل مشكلة الفجوة الدولارية ومحاربة ظاهرة الدولرة التي تعني اتجاه الافراد الى تحويل مدخراتهم إلى الدولار الأمريكي وخاصة بعد زيادة أسعار الفائدة على الشهادات الدولارية كما سبق ذكره .
وقال : نتيجة لكل ما تقدم ستكون هناك محاولات جادة لتخفيض الضغط على قيمة الجنيه المصرى وتحجيم الإنخفاض فى قيمته مقابل العملات الأخرى .
ورصد فهمي الاثار السلبية لرفع سعر الفائدة حيث تتمثل في زيادة تكلفة الإئتمان على جميع القطاعات المقترضة من البنوك والتى لا تتمتع بمبادرات أسعار فائدة منخفضة كالتى أقرها البنك المركزى المصري لعدد من الأنشطة ، وبالتالى زيادة أسعار السلع والخدمات التى تنتجها تلك القطاعات وهو ما يؤدى الى مزيد من التضخم .
وأضاف أنه سيكون هناك أيضا تأثيرا سلبيا على نشاط الإستثمار المباشر والذى يعتبر أهم الأهداف الإستراتيجية للدولة فى الفترة القادمة وذلك لارتفاع تكلفة الإقتراض على المستثمر الذى يقوم عادة بتمويل جزء من التكلفة الاستثمارية لمشروعه عن طريق الاقتراض من البنوك .
وإعتبر أن سعر العائد المرتفع على ودائع البنوك المعفى من الضرائب يؤدى الى تراجع نشاط الإستثمار المباشر للأفراد الذين يغريهم هذا العائد السهل المرتفع فيحجموا عن اقامة المشروعات، وعلى الإستثمار غير المباشر فى بورصة الأوراق المالية حيت تتراجع إستثمارات الافراد فى هذا السوق لتتوجه الى العوائد المرتفعة فى البنوك .
ونوه إلى وجود العديد من الانشطة التى تعانى بالفعل نتيجة الظروف الحالية وصعوبة إستيراد الخامات ومستلزمات الانتاج وإرتفاع تكلفتها مما أدى الى توقف بعضها وتقليل الطاقات الإنتاجية للبعض الاخر، و بالتالى فإن وضع مزيد من الاعباء برفع تكلفة الاقتراض قد يؤدى الى مزيد من التباطؤ فى الأنتاج وما يترتب عليه من أثار سلبية على حركة الإقتصاد بصفة عامة .
وواصل الفهمي رصد الآثار السلبية لرفع سعر العائد مؤكدا أن زيادة الأعباء على الموازنة العامة للدولة نتيجة زيادة تكلفة الدين المحلى من أبرز الآثار السلبية ، بالإضافة الى ذلك فإن رفع سعر الكوريدور يؤدى الى نمو تكلفة المبادرات المتاحة من البنوك لعدد من القطاعات بأسعار فائدة منخفضة حيث تتحمل ميزانية الدولة الفرق بين سعر الفائدة المنخفض وسعر الكوريدور وليس البنوك بالطبع .
ورجح أن رفع سعر الفائدة ومن وجهة نظر شخصية لن يكون له آثار ايجابية ملحوظة فى تحجيم معدل التضخم نظرا لاختلاف أسباب التضخم لدينا وهو ما سبق الإشارة اليه .
وتساءل :ماذا سيفعل صانع القرار فى الفترة القادمة ؟ هل سيرفع سعر الكوريدور ؟ هل سيلجأ إلى التثبيت ويرفع سعر فائدة شهادات الادخار كما فعل من قبل او يقوم باجراء بديل مثلما فعل بنسبة الإحتياطى الإجبارى؟ مجيبا بأن كافة الإحتمالات واردة ومطروحة، وقد شاهدنا فى الفترة السابقة دولا لم تحذو حذو الآخرين وترفع أو تثبت سعر الفائدة ، بل قامت بتخفيضه لأن الأسباب والظروف مختلفة وليس هناك علاج واحد لكل المشاكل.
الأعوام | معدل التضخم الأساسي | سعر الايداع بالبنك المركزي ( الفائدة) |
2011 | 7.07 | 9.25 |
2012 | 4.44 | 9.25 |
2013 | 11.91 | 8.25 |
2014 | 7.69 | 9.25 |
2015 | 7.24 | 9.25 |
2016 | 25.86 | 14.75 |
2017 | 19.86 | 18.75 |
2018 | 8.30 | 16.75 |
2019 | 2.37 | 12.25 |
2020 | 3.80 | 8.25 |
2021 | 5.97 | 8.25 |
2022 | 19 | 11.25 |